في هذه السلسلة من المقالات عن الاستثمارات العربية في مشروعات حصاد المياه في السودان نسلط الضوء علي الشراكة القائمة بين حكومة السودان والدول العربية الممولة لمشروعات سدود حصاد المياه التي تغطي جميع الولايات السودانية
ونركز حديثنا علي نماذج نجاح هذه الشراكة بالحديث عن سدود دارفور والنيل الأزرق التي تم تنفيذها بواسطة وحدة تنفيذ السدود التابعة لوزارة الري السودانية واحدثت تحولا كبير في استقرار السكان وتحول كبير في حياتهم من ناحية الأمن والتعليم والصحة وتوفر الغذاء بالنظر الي واقع المعاناة التي كانوا يعيشونها جرا البحث عن المياه خلال مواسم الجفاف والجفاف الممتد كذلك من واقع معاناتهم مع السيول والفيضانات في موسم الأمطار والسيول خلال فترة الخريف ..
نعلم ان السودان يذخر بالعديد من موارد المياه السطحية والجوفية التي يمثلها الحوض النوبي بجانب موارد المياه الأخرى المتمثلة في الأمطار الموسمية في الفترة من يونيو إلى أكتوبر من كل عام، حيث تهطل عادة أمطار غزيرة في هذه الفترة.. تقدر بحوالي 5 مليمتر في أقصى الشمال و800 مليمتر في أقصى الجنوب. ويبلغ متوسط الإيراد السنوي لمياه الأمطار نحو 400 بليون متر مكعب.. والتي يترتب عليها في العادة سيول وفيضانات تغطي المزارع والقرى على ضفاف النيل الأزرق والأبيض تؤدي إلى تلف الزراعة وانهيار المباني هذا بجانب تردي صحة البيئة ومعاناة عدد من المواطنين في الغذاء والدواء والمأوى.
هذا ايضا بالإضافة الي الحوض النوبي الذي يمتد في الصحراء الشرقية ويمثل واحداً من أضخم احتياطي المياه الجوفية العذبة في السودان وربما في العالم أجمع بحسب راي الخبراء.
والذي قدر حجم المياه الجوفية فيه بنحو 60 ألف كيلومتر مكعب حسب الدراسات السابقة فيما قدرها ثورويهي وهينل عام 1996م بأنها تبلغ 150 ألف كيلومتر مكعب .
اتجهت حكومة السودان منذ وقت مبكر لتجنب مخاطر الفيضان و الاستفادة من مصادر المياه لتوفير الاستقرار للسكان ليتصاعد هذا الاهتمام في العام 2010م بما عرف بمشروعات حصاد المياه حيث بدأت الدراسات والتدريب والزيارات لبعض الدول ذات التجارب في المجال.. في المرحلة الأولى بدأت حكومة السودان بتمويل اعتمد علي الموارد المحلية حيث تم إنشاء سلسلة من المشروعات في عدد من ولايات البلاد .. من بعد ذلك طرحت الدولة خطتها الاستراتيجية زيرو عطش ( 1000) يوم 2017م -2020 م) لإنهاء مشكلة العطش في الريف السوداني في العديد من المناطق معتمدة في ذلك علي أطلس للمياه أجريت حوله عدد من الدراسات والورش المتخصصة يحدد مصادر المياه والمناطق الأكثر حاجة لتنمية الإنسان والتنمية الزراعية والرعوية والتي تمثل جانب مهم في استقر التعليم والصحة وتحسين مستوى المعاش.. تأثرت الخطة جراء الظروف السياسية التي تمر بها البلاد رغم ذلك تظل الحاجة ماسة لاستكمالها والمضي فيها لأجل محاربة الجفاف والعطش وتحقيق الاستقرار والسلام.
في تلك الفترة تم تبادل الزيارات بين حكومة السودان وحكومات الدول العربية الشقيقة للاستفادة من العلاقات الراسخة في تمويل مشروعات حصاد المياه.. حيث استجابة عدد من الدول العربية لتقديم التمويل اللازم والمعينات الفنية في إعادة تأهيل عدد من السدود و تشييد أخرى جديدة وحفر الآبار والحفائر لتجميع مياه الأمطار خلال فترة الخريف والاستفادة منها خلال فترات الجفاف والصيف.
كانت لمساهمات دول الخليج العربي عبر صناديق التمويل الاثر الكبير حيث ساهم الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية عام 2012 اتفاقية تمويل مشاريع حصاد المياه مع حكومة السودان بمبلغ 50 مليون دولار، وبعده البنك الإسلامي للتنمية بتمويل بلغ أكثر من 22 مليون دولار. وفي العام 2015 مول الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية مشاريع حصاد المياه في السودان بنحو 70 مليون دولار، و الصندوق السعودي للتنمية بمبلغ 120 مليون دولار.. وصندوق أبوظبي للتنمية 70 مليون دولار.. لتمويل مشروعات شملت عدد من ولايات السودان حيث كانت الأولوية لحكومة السودان في تلك الفترة ولايات دارفور وكردفان والنيل الازرق ثم من بعد ذلك شمل المشروع كل الولايات التزاما بأطلس المياه والشروط الفنية.. علي ان لا يتجاوز مصدر المياه 500 متر من الوجود السكاني ملتزمة في ذلك ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للسكان .
تعد ابرز المشروعات التي تم إنشاؤها في الفترة من 2010 إلى 2015 480 مشروع، تشمل 300 مشروع سدود وحفائر بسعة إجمالية تبلغ 110 مليون متر مكعب. تضاف إليها مشاريع العام 2015 التي استهدفت توفير 25 مليون متر مكعب من المياه وتأهيل ورفع قدرات السدود والحفائر القائمة وحفر 45 بئراً في وشمال دارفور وغرب كردفان. جنوب دارفور ، أهمها سد بليل الأرضي العام 2014 الذي يعد تجربة فريدة في تخزين المياه داخل الأرض للاستفادة منها خلال موسم الجفاف يعتبر المشروع الأبرز الذي اكتسب أهميته ضمن هذه المشروعات وقد أسهم في توفير مصدر دائم لمياه الشرب لمدينة نيالا، في الوقت الذي ظلت تعاني فيه المدينة من انحسار كبير للمياه الجوفية .. يعمل على تخزين (5) ملايين متر مكعب من المياه، مما دفع حكومة ولاية جنوب دارفور إلى إنشاء (10) آبار حول منطقة السد بإنتاجية كلية تقدر ما بين 7 إلى 10 آلاف متر مكعب في اليوم كذلك في شمال دارفور تم إنشاء (9) سدود متفرقة كما تم تأهيل سد (ابو جداد) وإنشاء سد( عد الخير) و(رهد ام جديد) الى جانب سدود أخرى لتخزين أكثر من( 20) مليون متر مكعب من المياه، بالإضافة لتنفيذ( 17) حفيراً
في محليات المالحة الكبرى (الطينة ، كرنوي ، أم برو) تعتبر هذه المشروعات التي نفذت بشمال دارفور بسعة إجمالية بلغت (28) مليون متر مكعب من المياه.. هذا بجانب سدود رمالية و الكداد بمحلية كتيلة والذي سيشكل بدوره إضافة كبيرة في توفير مياه الشرب وتحسين معاش الناس .. اما في ولاية النيل الازرق نجد.. سد بوط والذى أُنشئ فى العام 2004 وهو من السدود الصغيرة التي اقيمت ضمن مشاريع حصاد المياه، وتعرض العام الماضى إلى سيول وأمطار غير مسبوقة فى أعلى الوادي وقد تمت صيانته بموارد ذاتية خلال نفس العام.
بلا شك ان هناك حياة جديدة بدأت عبر النشاط الزراعي والاستزراع السمكي والرعي جرا قيام هذه المشروعات بعد أن هجر أصحاب المزارع مزارعهم بسبب انحسار المياه قبل قيام تلك المشروعات.. استطاع انسان تلك المناطق العودة من جديد للاستفادة من هذه المشروعات في زراعة الخضر والفاكهة مما زاد من حجم النشاط الاقتصادي والتجاري وانعش الاسواق المحلية بفضل استيعاب كثير من الأيدي العاملة، وقد تبع ذلك استقرار في جانب التعليم والصحة والمرعي مما انعكس ايجابا في الحد من النزاعات واعادة توطين النازحين جراء الحرب.. لذلك تزيد مشروعات حصاد المياه من فرص تعزيز السلام واستتباب الأمن.
بالله التوفيق..
نواصل…