في ظل الفراغ الدستوري والإداري الذي تعيشه البلاد، وظل المرحلة الخاصة الإنتقالية المعقّدة ، وعدم وجود حكومة متفق عليها ولا “مُعيّنة” حتى الآن، منذ قرار حل الحكومة في 25 أكتوبر من العام الماضي ، وفي ظل صراعات وانقسامات شديدة بين المكونات السياسية، يزيدها الوسيط الأجنبي ناراً وأوارا
ويدير المشهد السياسي ، على قياس اللعبة الصبيانية “المديدة حرقتني”! ، لدرجة تبلغ الجرأة أمس بالممثل الخاص للأمم المتحدة “فولكر بيرتس”، برفضه مشاركة الكتلة الديمقراطية في العملية السياسية، بحجة عدم توقيعها على الإعلان السياسي، وكأنّ الإعلان السياسي حصرياً على سوداني ، دون آخر ! ، الأمر الذي أدّى لملاسنات حادّة بين “فولكر” وبين قيادات الكتلة حسب ماجاء في الخبر ! ، دبلوماسي ، يمنعه القانون الدبلوماسي وإتفاقية “فيينا” من الإحتكاك مع أهل البلد المضيفة ، يحشر نفسه مع مواطني البلد لدرجة “الملاسنة”.!
وكم هنت يا سوداننا يوماً عليهم !!. وفي ظل أخبار ترد أمس من غرب دارفور في هجوم شنّه مسلحون أمس على سوق سواني بمحلية سربا، وفي ظل هجمات ظلت تتكرّر على مواقع النفط ، آخرها أمس بمنطقة “أم عدارة”، وفي ظل تردي أمني في العاصمة من جرائم قتل ونهب وسرقات ، ما يُِكتشف منها القليل، وفي ظل شوارع ملتهبة ومظاهرات مشتعلة بمدن العاصمة واشتباكات بين المتظاهرين والشرطة، حتى عصر أمس الخميس
وفي ظل إضراب تعلنه لجنة إضراب المعلمين أمس ، عن إغلاق أكثر من 16ألف مدرسة بجميع أنحاء البلاد ! .
في ظل كل ذلك الحال الإقتصادي والسياسي والأمني المتردي ، وعدم وجود مجلس وزراء “مُعيَّن” ، وفي ظل حكومة “مكلّفة” غير “مخوّلة” يجب ألا تتعدى حدود تكليفها في “تسيير الأعمال اليومية”، وليس لها أي صلاحيات شرعية تسندها ، ولاحق في عقد أي إتفاقيات مع دول خارجية ، ولا حتى لها السلطة في إجراء تعاقدات مع شركات محلية !
هذه السلطة القائمة الآن يجب أن تعلم أنها سلطة “مكلفة” “مؤقتة” ليس لها الحق في إبرام أي إتفاقيات أجنبية، إلا في وجود حكومة منتخبة وبرلمان شرعي منتخب، وأنّ أي إبرام لأي إتفاقيات أجنبية تستهدف مشاريع حيوية إستراتيجية أمنية ، قطعاً مصيره الإلغاء من أقرب برلمان شرعي قادم لا محالة. والناس في انشغالهم بتكوين هياكل السلطة الإنتقالية ، التي لم ترس على بر حتى اليوم ، يقوم بعض المسئولين المكلفين بتعدي حدود “تكليفهم” وإجراء التعاقدات مع الدول الأجنبية لأنشاء أهم المواقع الإقتصادية الإستراتيجية الأمنية !
أمس تأتي الأخبار بأن إتفاقاً مبدئياً تم مع تحالف يضم شركة موانئ أبوظبي ، وشركة إنفيكتوس ، لإدارة وتشغيل ميناء أبو عمامة على البحر الأحمر . أيّاً كانت الفائدة التي تعود على السودان وأهل المنطقة ، فإنّ هذا الحق لا يملك البت فيه، إلا مجلس وزراء “منتخب”.. وحتى مجلس الوزراء هذا “المنتخب” ليس له الحق في أن يتعاقد مع الدول الخارجية، إلا بعد دراسات وتوصية منه ، يتم رفعها لمجلس تشريعي منتخب، هذا المجلس المنتخب ، يناقش المشروع المقترح بكل استفاضة، وكل الجوانب الإستراتيجية والأمنية، ثم يتم البت فيه بأصوات الاغلبية داخل البرلمان، وهذا نهج تنتهجه أي دولة أخرى في العالم في البت في مشاريعها الإستراتيجية، وخاصةً التي ترتبط بالأمن الإقتصادي الإستراتيجي
فليس الموضوع موضوع ميناء لنقل البضائع !…. الأمر أكبر من ذلك بكثير ، وحتى لا يندم الموقّعون يوما ما، عليهم التريُّث والتأنِّي في مثل هذه الشراكات ، ولا مانع أن يتعاقد السودان مع أي دولة عربية شقيقة ، وأبو ظبي تستحق أكثر من ذلك في وقوفها مع السودان في الأزمات والكوارث، والأفضل لها أن تخوض في مشروع بإجراءات سليمة مؤسسة ، تستمد شرعيتها من هيئة تشريعية ، وحتى لا يُفتح المجال للقيل والقال
وما قيل عن مسئولين سابقين في حكومات سابقة، فرّطوا في مشاريع حيوية مع شركات أجنبية بعقودات فاقت التسعين عام ،تعود لحضن الوطن بعد أن ينضب ماؤها، وتنعدم خصوبتها ، الأمر الذي آثار الشكوك في تسهيلاتهم لذلك، مقابل تساهيل و”كُمّشن” !
لذلك… على مسئولينا ، في الحكومة المكلفة الآن ، أن يتركوا هذا الأمر برمته لمجلس وزراء منتخب ، يوصِّي بعد دراسة متانيّة لمجلس تشريعي منتخب ، هو وحده الذي يقرر في مثل هذه المشاريع التي تمس سيادة وأمن البلاد ، و”الباب البجيب الريح سدو واستريح”
اللهم بلغت.. فاشهد