السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية منذ توحيدها على يد المغفور له – بإذن الله – الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، قامت على الاحتفاظ بعلاقات دبلوماسية مستقرة وهادئة مع كل دول العالم، لا سيما العربية والإسلامية، انطلاقاً من مكانتها كمهبط للوحي وحاضنة للحرمين الشريفين، وأرضاً للرسالة الإسلامية.
لكن العلاقات مع السودان بصفة خاصة ظلت ذات طابع فريد، تميزت بخصوصيتها وتمسكت بها رغم تعاقب الحكومات والرؤساء وتعرجات السياسة وتعقيداتها. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى إدراك القيادة السعودية لطبيعة علاقة الشعبين المبنية على المحبة والاحترام المتبادلين، حيث كانت أواصر الأخوة والصداقة التي تجمعهما المحرك الأساسي نحو أي عمل مشترك.
ومنذ أن تفتحت أعيننا وجدنا السودانيين على مقربة منا في مختلف مناطق المملكة، يعلّمون الطلاب في المدارس، ويداوون المرضى في المستشفيات، ومهندسين ومستشارين ومثقفين ومشاركين في مختلف مجالات العمل. القاسم المشترك بينهم هو الاحتفاظ بفضيلة الصدق والأمانة، وصدورهم النقية التي تمتلئ بالحب، وحفظهم لمواقف قادة المملكة الذين كانوا بالقرب منهم في كل الظروف، وهي المواقف التي لم ينساها الشعب الذي عُرٍف بالوفاء وحٍفظ الجميل.
ولا زلت أذكر إمام مسجدنا الشيخ [ عباس ] وجهوده الصادقة في تدريسنا للقرأن الكريم حفظاً وتجويدأ، وإمامة المصلين بصوته العذب ، وشخصيته الوقورة وبساطته. يميزه ثوبه الواسع وعمامته الناصعة البياض كقلبه .
هذه النظرة للشعب السوداني لا أختص بها لوحدي، بل يشاركني فيها الغالبية العظمى من السعوديين الذين لا ينظرون إلى السودانيين على أنهم مجرد جالية في بلادنا، بل هم إخوة أعزاء، وشركاء أساسيون في رحلة النجاح التي قطعتها أرض الحرمين الشريفين، وذكرياتنا المشرقة معهم لا تُنسى ولا يمكن أن تمحوها الأيام وغير قابلة للمزايدة من أي أحد كائنا ما كان.
ويكفي للدلالة على ذلك كلمات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان- حفظه الله – الذي قال في تصريحات صحفية إبان الاضطرابات السياسية التي مرت بها السودان (أمن السودان واستقراره يهمنا كثيراً، ليس للأهمية الاستراتيجية لموقعه وخطورة انهيار مؤسسات الدولة فيه فحسب، ولكن نظراً إلى روابط الأخوة الوثيقة بين الشعبين، فقد كان إخواننا وأخواتنا ولا يزالون من السودان جزءاً من نسيجنا الاجتماعي، حيث أسهموا مساهمات مشهودة في مسيرتنا في مختلف المجالات. ولن ندخر جهداً في المملكة لتحقيق الاستقرار والأمن للسودان وشعبه الكريم، وسوف نستمر في موقفنا الداعم لهم في مختلف المجالات حتى يصل السودان لما يستحقه من رخاء وازدهار).
هذه الكلمات الواضحة تكشف بجلاء عن الاهتمام السعودي بقضايا السودان، والرغبة الصادقة في الوقوف إلى جانبه، انطلاقا من علاقات القربى واللسان الواحد والدين والمصير المشترك، والقواسم التي تجمع بينهما، والتقدير الكبير الذي يحمله كل منهما للآخر.
سبب آخر يقف خلف متانة العلاقات السعودية السودانية، وهو إدراك الرياض لطبيعة الشعب السوداني الذي يرفض التدخل في شؤونه الداخلية، ولذلك قادت المملكة تحركا دوليا لوقف التدخل الأجنبي في الشأن السوداني، ودعت إلى إتاحة الفرصة للشعب السوداني ليقرر بنفسه ما يريده لبلاده من مستقبل.
هذا الموقف جسّده أيضا السفير السعودي في الخرطوم، علي بن حسن جعفر، بوقوفه على مسافة واحدة من كافة الأطراف، وسعيه بكل مصداقية لتقريب المواقف وتغليب المصلحة العامة، وجلوسه مع كافة المؤثرين والفاعلين، دافعاً باتجاه الوصول إلى منطقة وسطى.
هذا الجهد كان يتم تحت سمع وبصر المسؤولين السودانيين وفي وضح النهار، وليس خلف الكواليس، وهو ما أكسبه محبة وتقدير كافة الفرقاء، الذين تجاوبوا مع جهوده وقاموا بتلبية دعواته المتعددة.
كذلك يجسد معالي السفير المعنى الحقيقي للدبلوماسية وهو يشارك في كافة الفعاليات الثقافية والاجتماعية، إيماناً منه بأن دوره لا يقتصر على الجوانب الرسمية بل يكمن في التقريب بين الشعبين. ولتحقيق هذا الهدف السامي اهتم بتشييد جسور من التواصل الاجتماعي مع أشقائه السودانيين، وحرصه على المشاركة في الأفراح والأتراح، لدوافع أخوية وإنسانية، بعيداً عن تعقيدات البروتوكول والمراسم، وهو ما أكسبه محبة أشقائه واحترامهم.
وحتماً سيستطيع هذا الشعب المثقف التغلب على الظروف التي يمر بها، وسيعبر إلى شاطئ الأمان، معتمدا على إيمانه بربه، ودعوات أشقائه، وقدرته على تجاوز الصعاب، بكفاءاته البشرية المتميزة التي تبحث عن غد مشرق.
ويحق لنا أن ترفع القبعة إحتراماً للشعب السوداني الأنيق خلقاً وخُلقا، والذي يتميز بوعي فطري جعل من كل سودانياً محل احترام وتقدير أين ما حل، ومحبة أقولها للكُل “خليك سوداني”.