صحيفة اللحظة:ِ
وصلت الخلافات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى نقطة غير مسبوقة من التوتر الأمني، بشكل يكشف عمق الأزمة السودانية المستمرة منذ سنوات. ورغم ذلك يستبعد المحلل السياسي السوداني أمير بابكر أن تصل الأمور بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى حالة الحرب.
قال بابكر “لن تكون هناك حرب بين الجانبين، لأن قادة كل طرف لديهم مصالح لن يفرطوا فيها ليدخلوا في صراع مسلح، فهم يشاركون في السلطة حاليا ويشاركون فيها مستقبلا من خلال الاتفاق الإطاري”. وحسب رأي المحلل السياسي “حتى إن حدثت معركة -أو مناوشات- بين الطرفين فستكون محدودة وسيتم إخمادها سريعا”.
لحل الخلاف الناشب سارعت عدة حركات مسلحة موقعة على اتفاق سلام جوبا في أكتوبر 2020، منها “العدل والمساواة” و”تحرير السودان”، إلى الإعلان عن بذل مساع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لإنهاء التوتر ونزع فتيل الأزمة الأمنية.كما دعا حزب الأمة القومي، أكبر أحزاب قوى “الحرية والتغيير” الموقعة على الاتفاق الإطاري، إلى اجتماع يضم قادة الجيش وقوات الدعم السريع والقوى السياسية والأمنية لتجاوز المنحنى الأمني الخطير الذي تشهده البلاد.
والأربعاء تحركت بعض قوات الدعم السريع بعتادها لتنتشر حول مطار مدينة مروي (شمال) دون موافقة الجيش السوداني، ما دفع الأخير إلى تحريك قواته في اتجاه المنطقة، متهما إياها بـ”التحشيد والانتشار والتحرك داخل العاصمة الخرطوم وعدد من المدن دون إذن”.
وقوات الدعم السريع هي قوات مقاتلة يقودها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتأسست في 2013 كقوة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات لمحاربة متمردي دارفور (غرب)، ولا توجد تقديرات رسمية لعددها، إلا أن المؤكد أنها تتجاوز عشرات الآلاف.ويتزامن هذا التطور الميداني النادر مع خلافات بين الجيش وهذه القوات حول قضايا “الإصلاح العسكري والأمني” التي دعا إلى مناقشتها الاتفاق السياسي النهائي بين الأطراف السودانية لإدارة المرحلة الانتقالية في البلاد.
وأثار الوضع المتوتر بين القوتين العسكريتين المخاوف من نشوب حرب في بلد يعاني من أزمات سياسية واقتصادية وأوضاع أمنية غير مستقرة في عدد من أقاليمه، خاصة دارفور.وقد بدأت بوادر الشقاق بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إثر انطلاق “مؤتمر الإصلاح الأمني العسكري”، آخر المؤتمرات لمناقشة قضايا الاتفاق النهائي السياسي لاستكمال بنود الاتفاق الإطاري.
وهو المؤتمر الذي انتهى بعد أربعة أيام من انطلاقه في 26 مارس الماضي، دون التوصل إلى اتفاق بشأن وضعية قيادة الجيش وقوات الدعم السريع خلال الفترة الانتقالية المتبقية، وكان سببا رئيسيا في تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائي مع القوى المدنية.وانطلقت في 8 يناير الماضي عملية سياسية بين الموقعين على الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر 2022، وهم مجلس السيادة العسكري الحاكم وقوى مدنية، أبرزها “الحرية والتغيير – المجلس المركزي”، للتوصل إلى اتفاق يحل الأزمة السياسية في البلاد؛ تلك الأزمة التي نشبت في 25 أكتوبر 2021، حين أعلن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان إجراءات استثنائية، منها حل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ، وهو ما اعتبره رافضون “انقلابا عسكريا”.لكن البرهان قال إن إجراءاته تهدف إلى “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، وتعهد بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني. ولمحاولة إبعاد المؤسسة العسكرية عن السلطة المدنية في السودان، أصبحت قضية “الإصلاح الأمني والعسكري” أحد مطالب الثورة السودانية التي أطاحت بالرئيس عمر البشير في أبريل 2019.وتباينت رؤى الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بشأن عدد من قضايا الإصلاح الأمني والعسكري، وأبرزها قضية دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي بشكل كامل وما يتبع ذلك من اتفاق حول الجداول الزمنية لعملية الدمج.
ويطالب الجيش السوداني بألا تتجاوز فترة دمج هذه القوات عامين، بينما تريد الأخيرة أن يكتمل دمجها في الجيش خلال فترة تتجاوز 10 سنوات، وفق مراقبين.وبجانب فترة الدمج تبرز قضية رتب ضباط قوات الدعم السريع كإحدى نقاط الخلاف بين الجانبين، حيث يقر الجيش بوجوب مراجعة رتب ضباط هذه القوات، بينما تطالب الأخيرة بأن يتم استيعاب ضباطها في الجيش برتبهم الحالية.
وهناك قضية خلافية ثالثة، هي مطالبة الجيش بإيقاف التجنيد الجديد لصالح قوات الدعم السريع، وهو الأمر الذي يجد معارضة من هذه القوات.وفي الآونة الأخيرة تحدثت تقارير صحفية عن خلاف حاد بين الجيش وقوات الدعم السريع بشأن قيادة القوات المشتركة السودانية خلال فترة الدمج، فالجيش يقترح هيئة قيادة (4 من الجيش و2 من قوات الدعم السريع)، إلا أن الطرف المقابل يطالب بأن تكون هيئة القيادة تحت رئاسة مدنية.وبسبب عدم حسم هذه الخلافات العسكرية أعلنت أطراف العملية السياسية بالسودان في 5 أبريل الجاري إرجاء توقيع الاتفاق النهائي إلى أجل غير مسمى.
وسط الخلافات المحتدمة بين الجيش وقوات الدعم السريع لا تجد القوى السياسية المدنية خيارا سوى دعوة الطرفين إلى التهدئة وهذا هو التأجيل الثاني لتوقيع الاتفاق الذي كان من المزمع أن يتم في 6 أبريل الجاري، بعد أن كان في السابق مقررا في مطلع الشهر نفسه؛ وذلك بسبب الخلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع.ووسط الخلافات المحتدمة بين الجيش وقوات الدعم السريع لا تجد القوى السياسية المدنية، خاصة الموقعة على الاتفاق الإطاري وعلى رأسها “الحرية والتغيير – المجلس المركزي”، خيارا آخر تلجأ إليه سوى دعوة الطرفين إلى التهدئة، تجنبا لوقوع قتال يهدد مستقبل البلاد والاتفاق السياسي المرتقب.
وعبر نصوص الاتفاق الإطاري ظلت القوى المدنية تطالب بإصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية وإعادة هيكلتها وتكوين جيش مهني موحد ذي عقيدة جديدة.وتنصّ المادة 10 من المبادئ العامة في الاتفاق الإطاري على “التأكيد على جيش مهني قومي واحد ملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة وقائم بواجباته في حماية حدود الوطن والدفاع عن الحكم المدني الديمقراطي”.بشأن قوات الدعم السريع أكد الاتفاق الإطاري على “دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وفق الجداول الزمنية وقوات حركات الكفاح المسلح”. كما وصف الاتفاق قوات الدعم السريع بأنها قوات عسكرية تابعة للقوات المسلحة، ويحدد القانون أهدافها ومهامها ويكون رأس الدولة قائدا أعلى لقوات الدعم السريع.
المصدر: العرب اللندنية