حكم السودان خلال فترة الستين عاما الماضية بعد خروج الانجليز ديمقراطيات لم تستمر زمنا طويلا بسبب المكايدات الحزبية والصراع على كراسى السلطة،ففى الديمقراطية الأولى لم تسلم من التدخل العسكرى بسبب خلافات حزبى الامة الوطنى الاتحادى فكلا الحزبين كانا يكيدان لبعضهما البعض مما جعل الحكم حلبة من الصراع والخلاف بينهما.
فانقض العسكر تحت رئاسة الفريق عبود او كما يقال بأن حزب الأمة سلم الحكم لعبود فظل الفريق عبود على سدة الحكم من١٩٥٨ حتى ثورة أكتوبر العظيمة التي اقتلعت النظام العسكري من السلطة، ولكن المكايدات السياسية لم تقف ولم تتعلم الأحزاب من تجارب الماضى فظلت فى غيها و تيهها القديم،فالامة يكيد للاتحاديين والاتحاديين يكيدون للامة مع فرفرة بعض الاحزاب الصغيرة الشيوعيين والاسلاميين ،ولكن لم تكن تلك الأحزاب بالقوة التى تؤثر على الطرفين.
حتى انقض النظام العسكرى مرة اخرى تحت رئاسة العقيد جعفر محمد نميرى،لقد فقدت الأحزاب حكمها بسهولة فى ظل تلك الصراعات للأسف ظل النميرى يحكم لما يقارب الستة عشر عاما متحولا من اليمين الى اليسار حتى سقط بثورة رجب ابريل الشعبية ١٩٨٥.
عادت الديمقراطية الثالثة ولكن الساسة لم يتعلموا من ماضيهم،ظلت المكايدات بين الحزبين الكبيرين وظلت الفوضى كما هى حتى تآمرت الجبهة الإسلامية القومية على النظام الديمقراطى الذى كانت جزء منه بل كانت هناك العديد من الاحزاب الاخرى تخطط لاسقاط الحكم الديمقراطى، ولكن كفة الجبهة كانت اقوى من حيث التنظيم والترتيب والمؤامرة فسقطت الديمقراطية الثالثة التي لم تبلغ الثلاث أعوام. واستلمت الجبهة الاسلامية القومية الحكم تحت مسمى المؤتمر الوطنى وحتى المؤتمر الوطني الذي حكم بواسطة العسكر تحت رئاسة عمر البشير فى بداياته، لم يسلم من المؤامرة فى ما بينهم تامر العسكري على الدكتور الترابى الذى كان له فضل الترتيب لإسقاط الديمقراطية الثالثة،لم يسلم الدكتور الترابي من المؤامرة اذا اعتبرنا بان نظاما ديمقراطيا جديدا قد بدأ.
لذا فان الديمقراطية فى السودان لم تنجح لان الساسة لم يصلوا الى مستوى تلك الديمقراطية، حتى الشعب مازال فى حاجة الى تعلم الديمقراطية فى ما بينهم،لقد سقط نظام الانقاذ وجاءت ثورة ديسمبر المجيدة التى من المفترض ان يكون الساسة قد تعلموا من تجاربهم الماضية ،ولكن للأسف مازلنا فى سنة أولى ديمقراطية.
لقد شكلت الحكومة الانتقالية بعد الثورة بين المدنيين والعسكريين ولكن لم نصل الى حكم رشيد.. فالصراع مازال بين المكونين المدنى والعسكرى كما قال رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك ومازالت الأحزاب تكيد لبعضها وظل الشعب يريد الكل ان يأخذ القانون بيده.
لقد شهدت البلاد الفترة الماضية اعتصامات واضرابات واغلاق للطرق وفوضى عارمة فى غياب القانون مما يؤكد اننا لم نصل الى مستوى الديمقراطية التى طبقت فى كثير من بلدان العالم،لاحظنا اليوميين الماضيين على شرقنا الحبيب كيف تعدي المواطنين على إغلاق طريق بورتسودان الخرطوم مطالبين أهل الشرق بإطلاق سراح معتقليهم الذين شاركوا فى تظاهرات ٣٠ يونيو الماضى.. اى فوضى هذه! ألم يكن هناك رجل رشيد بالشرق، لمعالجة الموقف بدلا من تلك الأساليب الهمجية والغوغائية.
ان الشرق لم يكن وحده الذى يريد ان يأخذ القانون بيده فمعظم ولايات السودان تنتفض لاخذ القانون بيدها، فهل حقا نحن نستحق الحكم الديمقراطى فى ظل تلك الفوضى؟ بالتاكيد لا، ولن نصل الى حكم ديمقراطي رشيد طالما تلك الأحزاب موجود ة على رؤوس الكل.. ومازال الجهة يسيطر علينا،ان الديمقراطية لن تنفع لحكم شعب مازالت الامية تفوق نسبة الثمانين فى المية،فان أردناها فلابد ان نحتكم لها بعيدا من تلك الفوضى التى نعيشها.