استبشرنا خيرًا بثورة ديسمبر العظيمة وظللنا نلوك الصبر عسى ولعل أن نخرج من النفق المظلم، لم يكترث الناس للزيادات المتواصلة يوميًا في المواد الاستهلاكية باعتبار المرحلة مرحلة ثورة يأتي بعدها الفرج، كلما زادت معاناة الناس قالوا سنعبر، وقيل الأسباب الظلم الواقع على السودان جراء العقوبان الاقتصادية وسعى رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك لرفعها ورفعت العقوبات و”نطط” الشعب باعتبار العقبة اتحلت وأن الأزمات ستحل خاصة معاش الناس و(قفة الملاح، الرغيف، البترول والغاز)، لكن ما أن أفقنا من حالة النشوة التي اعترت كل الشعب إذا بالتجار يصاعدون في الأسعار مليون المية، ثم قيل إن الدكتور حمدوك يسعى مع المجتمع الدولي والدول العربية لإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب باعتبار كل مشاكلنا في تلك القائمة وظللنا نصبر يومًا بعد يوم إلى أن أعلن عن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وفرحنا “ونططنا تاني وتالت”، لكن ما أن أفقنا للمرة الثانية وجدنا التجار رفعوا أسعار الزيوت من ألف للتر إلى ألفين ثم ثلاثة آلاف والسكر عشرة كيلو وصل ثلاثة آلاف جنيه والأجبان إلى أكثر من ألف جنيه والمكرونة والشعيرية وحتى الخضروات لم تسلم من جشع التجار، ارتفعت كل السلع وكأنما رفع اسم السودان من قائمة العقوبات حالة من حالات التخدير التي درجت الحكومات عليها في حالات “الزنقة”.
إن الشعب السوداني الصابر المحتسب مازال أمله في العبور العظيم وها هو شهر رمضان الكريم على الأبواب والدولة تقول إنها ستستورد أكثر من ٣٠٠ طن من السكر. والمصانع الداخلية بدأت الإنتاج ولكن حينما تذهب إلى السوق تجد الحال في حاله لا رفعت العقوبات الاقتصادية ولا زال اسم من القائمة ولا السلام الذي وقع في جوبا، فجاء التخدير من جديد بتوقيع سلام جوبا.
إن الحركات المسلحة التي كانت الدولة تخوض معها حربًا استنزفتها أموالًا طائلة وبعد أن وضعت الحرب أوزارها كل المال الذي كان يصرف عليها سيوجه إلى الخدمات، الحرب وقفت لكن الخبز لم يتوفر بالصورة المطلوبة والموجود الآن لا “يسر عدو ولا صليح” رداءة في الشكل واللون والطعم حتى المساجين إذا اعتبرنا أن سلطات السجون تقدم للمساجين أردئ أنواع الطعام، فشراء الخبز الموجود الآن أملته الضرورة على الشعب وحتى الخبز الذي قيل تجاريًا وصل سعر القطعة منه إلى عشرين جنيهًا، حرام على أصحاب المخابز بيعه بهذا الوضع الذي نراه، فالقطعة التي رفضها الشعب حينما طالبت الدولة برفعها إلى اثنين جنيه قامت الدنيا ولم تقعد، بل اشتدت حدة المظاهرات وسقط النظام بعدها، اليوم القطعة الواحدة من رغيف الخبز أصبحت بعشرين جنيهًا لاتكفي تلميذ مرحلة الأساس.
إن الوضع الاقتصادي الذي ظللنا كل يوم نصبر عليه أملًا في العبور، الحال لايشجع أبدًا، الزيادات لم تتوقف في الألبان واللحوم الحمراء والبيضاء والخضروات وكل ما يتعلق بقفة الملاح لم يطرأ عليها جديد وتعويم الجنيه لم يستفد منه إلا المغتربون وأهلهم، أما أصحاب الدخول المحدودة هؤلاء منتظرون الفرج من رب العباد، فالشعارات المرفوعة الآن لم يتحقق منها شئ وكان الأمل في الحكومة الثانية، ظللنا نسمع كلامًا معسولًا من وزير المالية الدكتور جبريل إبراهيم أن الأمور ماشة كويس وتم إعفاء ديون السودان من صندوق النقد الدولي ولكنها شعارات لم نرها على الواقع، لاندري متى سنعبر ياحكومة؟ ومتى سيعيش المواطن السوداني حياة الدعة والراحة؟ أم سنظل نلوك “سنعبر سنعبر” إلى ما لا نهاية؟.