ما أن ينتهي شهر رمضان تجد المبدعين من دول العالم المختلفة يفكرون في الأعمال التي سوف تقدم في شهر رمضان الذي يليه، لذلك تأتي أعمالهم ناضجة ومسبوكة ومخدومة مما يجعل كثير من القنوات الفضائية تقوم بالشراء المبكر أو جعل المادة (مسلسل، فيلم)، أو أية مادة ثقافية أو أي نوع من أنواع الإبداع يصبح حصريًا على تلك الجهة.
حينما ظهر الإعلامي المخضرم الأستاذ السر قدور بفكرة ( أغاني وأغاني) كان الكل يتربع بعد الإفطار لمشاهدة الحلقة التي تحتوي على الكثير من المعلومات والأغاني التي نظم شعرها أفذاذ من المبدعين السودانيين وتغنت بها أعذب وأجمل الأصوات الرجالية أو النسائية، ظل السر قدور وكل الطاقم الذي عمل على تقديم البرنامج في قمة الروعة والجمال، وأصبح علامة مميزة باسم قناة النيل الأزرق، لكن بقية القنوات الأخرى وعندما شاهدوا ما تم من إقبال على البرنامج وما در على تلك الفضائية من إعلانات وأموال ساهمت في استقرارها، لجأت القنوات الأخرى دون أدنى اجتهاد لتقليد برنامج (أغاني وأغاني) بتغيير فقط الاسم، لكن نفس الفنانين شباب أو كهول، نفس الأغاني ونفس الفكرة مما جعل البرامج الرمضانية متشابهة ليس فيها أي إبداع أو أفكار ونفس برنامج (أغاني وأغاني) كان هناك برنامج مميز وهو برنامج الدلوكة الذي حشد له أميز المغنيات وكان لفتة بارعة قدم من خلاله أجمل أغاني السباتة وأغاني البنات. مما جعل له مشاهدين كثر ليس على مستوى النساء حتى الرجال استمتعوا بما يقدم فيه من مادة جاذبة ولكن نفس البرنامج اختطف وظل عدد من الإعلاميين يقدمونه بنفس الفكرة ونفس الدلوكة وربما نفس المغنيات.
إن الإعلامي السوداني ونظرًا لحصره في محيط معين جعل أفكاره محدودة، بجانب عدم الإطلاع أو مشاهدة مواد الآخرين، لذا استسهل البرامج التي تقدم في القنوات الأخرى، لو اجتهد الإعلامي أو المذيع أو مقدم البرامج الخفيفة لوجد العديد من البرامج التي تقوده ألى النجاح.
إن الإعلام موهبة وعلم واجتهاد، من لم يجتهد لن يصل إلى ما وصل إليه الكبار من المبدعين، لذا على الجهات المختصة بقنواتنا الفضائية ألا تقبل أي برنامج يكون نسخة لبرنامج يبث في فضائية داخلية أخرى، حتى يكون للمشاهد الخيار في المشاهدة.
لقد أعجبت بالبرنامج الذي صنعه وقدمه الموسيقار أحمد المك الذي أطلق عليه اسم (رحيق الورد)، اجتهد المك في اختيار عدد من الفنانين لتقديم أغاني فنانين محددين مثل الجابري، الفلاتية، الشفيع أو عثمان حسين، هذا برنامج مميز جدا بذل فيه المك جهدًا وبحث عن الأصوات التي تكون أقرب إلى صوت الشخصية التي يراد التوثيق لها، فالإعلامي لو دخل السوق يمكنه أن يقدم آلاف البرامج الخفيفة على (الخضرجية أو السمكرية أو الترزية) أو أصحاب المهن الأخرى أو حتى إذا دخل إلى أية مؤسسة حكومية أو خاصة سيجد فيها إبداعًا ومبدعين لم يتم اكتشافهم ويمكن أن تقدم أعمالهم في قالب مميز يمكن توثيقها لأولئك المبدعين وفيها استمتاع للمشاهدين، لكن نظل لعشرات السنين نكرر نفس البرامج ونفس الوجوه وكأننا نقف في محطة واحدة.
أما جانب التمثيل فقد انزوى المبدعون، نظرًا لعدم اهتمام الدولة بالمسرح وكما قيل اعطتني مسرحًا أعطيك شعبًا، كل العالم نهض من خلال المسرح، انظروا إلى الجارة مصر وانظروا لما تقدمه من مسرحيات وأعمال درامية في العام.
إن دولتنا الحالية والسابقة ليس لها أدنى اهتمام بالفنون، لذلك هي بعيدة عن الإعلام وعن الفنانين وعن المسرحيين، فإن أردنا أن تكون لنا أفكار جديدة لابد أن تهتم الدولة بالإعلام والإعلاميين وكل أصحاب المهنة الثقافية ليكون لدينا منتوج ثقافي وفني.