ليس من أكثر قراءة ومتابعة للصحف طلبة الجامعات ولا الموظفين ولا المثقفين وإنما الباعة الجائلون والتجار وصغارهم، لقد لاحظت الفترة الماضية ان الطبقات الصغرى او الدنيا هى التى تتابع ما يجرى على الساحة السياسية او الثقافية،فتجدهم أكثر اهتماما من غيرهم بالمكاتب الحكومية وطلاب المراحل الدراسية المختلفة.
ما دفعنى لكتابة هذه الزاوية وبعد عام من وقف صحيفة المجهر التي كنت أرأس تحريرها، لقد لاحظت ان القراء لم ينسوا الصحفيين ولا الكتاب اطلاقا فكنت فى جولة تسويقية قبل يومين بسوق بحري وقد سبق ان تعرف على عدد كبير من الباعة وغيرهم بالاسواق او امام صف الخبز الذين كانوا يتابعون ما اكتبه بصحيفة المجهر فكنت وقتها اكتب ما يلامس وجدان الشعب ومعاشهم لذا كنت اجد الكثيرين يتابعون ما أكتب وان لم أعرفهم.
فوقفت امس الاول امام احد الباعة بالسوق لشراء بعض الأغراض فإذا به يقول لى الاستاذ صلاح حبيب بتاع صحيفة المجهر ولا انا غلطان، ضحكت قلت له ( بشحمه ولحمه.). فقال لى نحن نتابعك منذ فترة ولكن اين انتم الان ؟واين المجهر ؟ فقلت له صاحبها حسب التكلفة فوجدها لا تغطى فاوقفها.
بالتأكيد شعرت بسعادة غامرة اولا لان ما نكتبه يجد الاهتمام من القارئ الكريم ..وثانيا ان الصحافة الورقية مهما حصل فلها تأثير كبير لدى القارئ السوداني.. وصدق من قال ان القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ فالخرطوم فى زمن سابق الكل فيها يقرأ والكل له صحيفته المحببة وله كتاب يتابعون ما يكتبون مهما انتقلوا من صحيفة الى اخرى ،فالقارئ السودانى ذكي وفطن ولاتغيب عليه حيل الساسة.
فالان الطبقات الصغرى هي التى تقرأ واتعجب للوزراء والمسؤولين عدم اهتمامهم بالقراءة او بالصحافة على وجه الخصوص فالوزير لا يقرأ إلا اذا ورد خبر متعلق به ،واحيانا اذا تعرضت له الصحيفة بالنقد فهنا تجده يبحث عن الصحيفة وعن الصحفى الذى كتب متعرضا لسياسته او لشخصه.
إننا نفخر بالقراء الذين يبادلوننا الحب والمعرفة، فكم من علاقة نشأت بين الصحفي والقارئ من خلال تلك الكتابات التى لامست وجدانهم، ان الحكومة الحالية او السابقة لم تهتم بالصحافة ولا بالصحفيين مما جعل الكثير من الصحف تخرج من السوق بسبب الزيادات المرتفعة فى الورق وكل مدخلات الطباعة الدولة ليست من أولوياتها الصحافة، ولا تهتم بما يكتب وتعتبر الصحافة العدو الاول بالنسبة لها.
ولكنها لا تدري ان الصحافة هي المرآة التى تشاهد فيها أعمالها كل صباح ،فان كانت جيدة وجدت المرآة ناصعة وإن كانت أعمالهم سيئة وجدوا الصورة ( غبشاء) أما القارئ الكريم فهو السند والعضد للصحافة والصحفيين والأموال التى يشترون بها الصحيفة هى التى تجعلها باقية بالسوق.
لذا على الحكومة ان تقف الى جانب الصحافة بتوفير مدخلات الطباعة بالأسعار التى تجعل الصحافة تقوم بأداء رسالتها وزى ما قال ابو الصحافة السودانية حسين شريف شعب بلا صحيفة قلب بلا لسان، فحتى يكون لنا قلب على الحكومة ان تدعم الصحف ولو قللت كمياتها لان المهنة الان اصبحت طاردة وهناك الكثير من الصحفيين اما هجروا المهنة او هاجروا او احتضنتهم بيوتهم.
فالصحافة مهنة سامية يجب ألا تندثر او يطرد اهلها او محاربتهم.. فهم ليسوا ابواقا للحكومات بقدر ما يعملون من المنطلق المهنى فنلاحظ الان هناك هجمة على المهنيين من الصحفيين ومحاربتهم باعتبارهم كانوا مساندين للنظام البائد.
فالصحفى الموالى معروف وهو الذي سعى ليكون بوقا للحكومة أما المهنيين منهم ،فهم يمارسونها من أجل المصلحة الوطنية ،فنشكر القارئ الجالس فى مخبزه او يعمل فى المواصلات او بائع يجر عربة،او تاجر فى دكانه، نشكرهم لانهم هم السند بالنسبة لنا وهم الذين يبثون فينا روح العمل ومواصلة المهنة مهما كانت قساوتها ونكرر شكرنا لهم جميعا.