
أخيرًا وقع الجنرال عبد العزيز الحلو في جوبا أمس على إعلان المبادئ مع الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة ضمن عدد من البنود تم الاتفاق عليها.
إن التوقيع يعتبر بمثابة خطوة متقدمة جدًا نحو تحقيق السلام الكامل بين الحلو والحكومة ريثما يأتي عبد الواحد نور لتكتمل عملية السلام بالبلاد ولتسكت البندقية إن شاء الله إلى الأبد.
إن الخطوة التي تمت بالتأكيد هناك من يعتبرها خيانة من قبل البرهان خاصة في ما يتعلق بفصل الدين عن الدولة ولكن الإعلان لم يكن واضحًا في ذلك، لذا كما قال عبد المطلب للبيت رب يحميه، أما إبله فهو المسؤول عنها، فنحن نعلم تمامًا أن أهل السودان متدينون بالفطرة فلا خوف من عملية الدين سواء أكانت مطالب الحلو بالفصل أو لم يطالب، الدين محمي من قبل المولى عز وجل ولكن دعونا نعيش في وحدة وسلام والدين الذي يتحدث عنه أولئك أو الرافضون لهذا التوقيع نقول إن الرئيس الراحل جعفر نميري طبق الشريعة الإسلامية ولكن التطبيق لم يكن على ما ينبغي أن يكون عليه، لذا حدثت ردة للتطبيق وحينما سقط النظام المايوي وحلت الديمقراطية الثالثة حاول البعض إلغاء قوانين الشريعة الإسلامية ولكن لم يتجرأ على إلغائها رغم أن الإمام الصادق المهدي الذي رحل عن دنيانا مؤخرا كان يقول إنها لم تساوي الحبر الذي كتبت به، أما الراحل الدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي لم يكن راضيًا عن التطبيق وقال إن به بعض العيوب وحينما أردت أن أكتب ما قاله لي وكنا لوحدنا حذرني من كتابة خبر على لسانه وإلا فلن أدخل مكتبه مرة أخرى ووقتها كان يشغل منصب وزير العدل في الديمقراطية الثالثة.
إن أبناء جبال النوبة الذين يمثلهم الحلو لن يرضوا بأن يفصل الدين عن الدولة ولكن دعوه أن يقول إذا كان القول يحقق له ما يريد، أما الدين فهو في الصدور والقلوب ولن تتمكن أية جهة من نزعة من قلوب أهل السودان.
إن ماتم في جوبا خطوة كبيرة ومحاولة لضم عبد العزيز الحلو إلى حظيرة السلام، بعد أن ظل في تعنته رافضًا أية محاولة للجلوس مع الحكومة من أجل تحقيق السلام كما فعل الراحل جون قرنق الذي رفض كل الوساطات السودانية والأجنبية ولكن في النهاية استجاب لعوامل خارجية وجلس في طاولة واحدة تحقق خلالها اتفاق نيفاشا الذي حقق السلام بين الحكومة والأخوة الجنوبيين وبموجبها حصل الراحل قرنق على منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية وعلى الرغم من توقيع اتفاق نيفاشا، لكن أضاع قرنق على السودان زمنًا طويلاً في المفاوضات وتأخر السودان كثيرًا بسبب الحرب التي استمرت فترة طويلة بين الجيش الشعبي والحكومة، فلو استخدم الراحل قرنق العقل لوصل لما يريده في وقت وجيز بدلا من التدخلات الخارجية والإملاءات التي فرضت عليه، كذا الحال بالنسبة للأخ عبد العزيز الحلو الذي وجد فرصة كبيرة قبل سقوط الإنقاذ حينما شغل منصب نائب والي ولاية جنوب كردفان وكان بإمكانه أن يصبح الوالى في انتخابات ٢٠١٠ ولكن الأطماع الشخصية جعلته يركل كل شئ ويقوم بالهجمة التي كادت أن تقضي على أهله بالجبال.
إن اتفاق سلام جوبا خطوة لإعادة المحاربين القدامى الحلو وعبد الواحد إلى حضن الوطن، لابد هنا من الإشادة برئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان والمساعي التي قام بها مع الأخوة في دولة جنوب السودان ومن خلال تلك الوساطة التي استطاعت أن تقنع الحلو بالجلوس إلى مائدة المفاوضات لإنهاء الصراع بينه والحكومة، فالفريق البرهان ظل يعمل في صمت كما الخطوة التي قام بها ولقاء بنيامين نتنياهو من أجل التطبيع مع إسرائيل.
إن الفريق البرهان تتجسد فيه كل صفات الزعامة وظل يعمل بدون خوف أو تردد، دائما يحكم عقله في اتخاذ القرار والذي يميز العسكريين عن المدنيين هو عدم التردد في اتخاذ أي قرار أو أي خطوة يريدون اتخاذها، لذا فإن عملية السلام الذي تحقق في جوبا بين الحكومة والحركات المسلحة يحمد فيها للأخوة في المجلس العسكري جهودهم في تحقيقه، لذا نأمل أن تكون الخطوة المقبلة عودة عبدالواحد نور حتى تكتمل عملية السلام وأن توظف كل الآليات الحربية التي كانوا يستخدمونها في حربهم ضد بعضهم البعض نحو الإنتاج مع توظيف كل المقاتلين لحماية الأرض والعرض مع الاستفادة من طاقاتهم في مجالات أخرى كالزراعة أو الصناعة، فالسودان يجب أن ينهض الفترة القادمة إذا سكتت البندقية واتجه الكل نحو الإنتاج فالمجال الزراعي وحده يكفي البلاد أموالًا طائلة ناهيك عن بقية الاستثمارات الأخرى كالبترول والذهب والحديد والمانجنيز وغيرها من المعادن التي لم تستغل بعد، لذا بتوقيع الحلو على اتفاق السلام أمس بجوبا مع رئيس مجلس السيادة البرهان نكون قطعنا شوطا كبيرا من تحقيق السلام الكامل والعاقبة لأخونا عبد الواحد نور الذي نأمل أن ينضم إلى ركب السلام قريبًا.