في كل ثانية تمر في هذه الدنيا.. هناك صرخة ميلاد مولود جديد.. هناك لحظة مخاض.. آلام طلق.. عسر ولادة وهناك ابتسامة واهنة لامرأة ما في مكان ما قد أنجبت مولودا واستحق عن جدارة لقب الأم.. هناك حياة تبدأ رويدا رويدا من عمر الدقيقة الأولى للمولود.. وآمال عراض وتمنيات لوالدين انجبا طفلا.
السعادة تتجدد في هذه الحياة الدنيا كل ثانية وربما أقل من الثانية.. أرزاق تكتب.. حياة حافلة تجري سطورها على صفحة كتاب المولود.. وحياة تتجدد للمراة الأم التي تنبض الحياة في شرايينها وعروقها وهناك كائن حي جميل تحتضنه بقوة تخاف عليه من نسمة الهواء.. تسمع دقات قلبه تدق واهنة داخل قلبها (تقاسم قلبي دقاته).. وثدي مترع بحليب الحياة يمور بالعافية تتجدد خلاياه كما في كل حليب في كل ثدي (بين فرث ودم).. هناك وصل يتجدد منذ كان نطفة في قرار مكين ثم علقة ثم مضغة ثم خلق الله تعالى المضغة عظاما وكسا العظام لحما ثم أنشأه الله خلقا آخر داخل البطن وصار الان ملتصقا بالحياة.. فتبارك الله أحسن الخالقين.. وثمة حيوات تتجدد.. أبوه تتفتق وتتدفق .. وقلب ينبض بحب جديد لمخلوق جديد.. كيف ستكون مسيرتهما معا في شعاب الدنيا بين تعرجاتها واستقامتها على جادة الطريق .. كل ذلك يحدث خلال الأربع والعشرين ساعة من عمر اليوم والواحد في هذا الكون المانوس المحفوظ برحمة من الله وفضل وبركات.
وتدور الايام دورتها يكبر المولَود وحتى الخديج الذي بدأ لحظاته حياته الأولى في حاضنة اصطناعية.. وإذا قدر لك أن تراه بعد عشرين عاما لن تصدق ان هذا العملاق القوى كان بين أحضان حاضنة اصطناعية صغيرة.
لهذه الحياة الدنيا التي نعيشها خالق مدبر انشاها من عدم في ستة أيام قدر فيها اقواتها واحتياجاتها من كل شئ.. وجعل الهواء(الأكسجين) الذي نتنفسه مشاعا لكل الكائنات الحية التي نتشارك معها التنفس دون حِجر من أحد ولا لأحد قدرة من أن يمنعنا هذا الحق الإلهي الذي هو ببساطة سر استمرارية الحياة.. كم من محاولات تبذل وبذلت على كر العصور و القرون لكي يسلب الطغاة حول العالم هذا الهواء ومنعه من الناس والاستئثار به دون خلق الله ..!! ولكن هيهات لهم ثم هيهات.
لقد أفسد بنو آدم في الأرض افسادا عجيبا في البر والبحر والفضاء .. ولم تمنعهم او تردعهم صلة دم الإنسان بالإنسان وكلنا من صلب رجل واحد وام واحدة (آدم وحواء)
ولم يراعو جيرتهم مع كائنات حية تشاركهم الحياة على هذا الكوكب على سطحه أو عمقه أو جوهره.. فكان الإنسان هو الطاغية وهو الجاهل المتكبر المغرور.
حين قال الله سبحانه وتعالى لملائكته إني جاعل في الأرض خليفة.. قالوا اتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك..قال جل وعلا اني اعلم ما لاتعلمون.. وقد وضح من سياق الآية والحوار أنه كان على ظهر الأرض من يفسد فيها من قبل آدم..!!
من هم الذين كانوا عليها.. الله ورسوله أعلم.. ولكي يعمر الله هذه الأرض ويكون آدم عليه السلام هو الخليفة عليها.. فقد دارت قصة الخلق والخلافة والتكليف والنهي على نحو فريد.. فقد حسد ابليس آدم ولم يسجد له حين أمره الله بذلك.. ثم إن الله خلق لآدم آمنا حواء لتكون زوجه وشريكته في خلافة الأرض.. وحين عصى آدم ربه واكل هو وحواء من الشجرة التي منعهما الله من الاكل منها كانت النتيجة الاولي الظاهرة هي أن تنكشف عنهما سؤاتهما.. وفي رحلة سيدنا آدم وأمنا حواء إلى الأرض واستخلافهم. عليها هناك صراع بين ابليس وجنده وبني آدم لا يتوقف حتى اليوم الموعود.. وأبرز مافهي هذا الصراع هو الغواية. َغواية الشيطان للبشر.. وحين يكشف بنو وبنات آدم وحواء على كر العصور عن عوراتهم ويكشفون عن سؤاتهم فذاك مبتغي الشيطان من الإنسان.. الحياة تستند في صراعها الطويل على الغواية عبر طريق الشهوات.. ولذا كانت الجنة محفوفة بالشهوات.. وكانت العلاقة بين الرجل والمرأة هي محور هذ الصراع وأهم آداوته أيضا.. فقد تقود الغواية المرأة والرجل إلى طريق النار وعذاب جهنم أو تقودهما الهداية و الفضيلة والزواج إلى طريق الأسرة وطريق الجنة والخلود في النعيم.
في كل ثانية مولود يولد ولدا و بنتا يعمران هذه الحياة قد ينتصران لقيم الفضيلة والأخلاق أو يمضيان في طريق الرذيلة عبر الغواية وقد انكشفت عورتهما وحاق بهم الإثم.. إنه طريق حياة طويل في خضم الصراع الأزلي بين الإنسان والشيطان.