المدخل الى رئاسة جامعة افريقيا العالمية عبر البوابة الشرقية محاط بباعة الخضار والفواكه في الرواكيب المغطاة بالشوالات فهي لا تقي من الحر ولا تمنع الشمس الحارقة أو أولئك الذين بسطوا متاعهم على الرصيف الطويل الممتد مع الشارع الرئيس والعربات من حافلات وهايسات وركشات التي اتخذت من الجهتين الشرقية والجنوبية للجامعة موقفا دائما.
لفت انتباهي (طالبان) من الجنسية الماليزية وقد خرجا من الجامعة ثم تجوالا لبرهة قصيرة أمام باعة الخضار واشتريا كمية لا باس من خضروات ثم ركبا ركشة من المكان ذاته الى حيث يقيمان.. ويبدو أنني كنت وقتها في ذلك النهار الحار منهكا من الجوع، فقد سرحت مع هذين الطالبين و(الحَلة) المسبكة المنتظرة على الغداء حيث للطعام الماليزي بهاراته ونكهته الجميلة ومذاقه بلا شك ََوعادة ما تكون حِلل العزابة ذات نكهة ومذاق خاصين يختلفان عن أكلنا في البيت..!
وقلت لنفسي رغم هذه الفوضى الضاربة بأطنابها حول الجامعة.. ولكن واضح ان هناك فائدة للمشتري وللبائع..!
وانا شخصيا مع الذين يكسبون رزقهم بكدهم بعرق جبينهم رزقا حلالا طيبا مباركا فيه وخاصة اولئك الذين اتخذوا من جوار الطرقات والميادين والمحال التجارية والجامعات وغيرها اماكن لبيع الخضروات والفواكة والمشروبات والأطعمة وغيرها مما يحتاجه الناس بأسعار معقولة..لأن الغلاء الطاحن ومتفشٍ، ومن هم في دائرة الفقر يتزايدون كل يوم، والدائرة تتسع دوائر دوائر كموج البحر.
صحيح هناك حديث عن ضرورة إصحاح البيئة والنظافة العامة ومكافحة الامراض،
و لكن رب الاسرة والذي يترك أولاده في البيت جوعي لا يهمه هذا الكلام.. بل يهمه ان يجد طعاما يسد به رمق عياله اي كان نوعه ومستوى جودته.. واي تنظير خارج هذا السياق يعتبر غير مفيد..!!
ذكرت هذه المقدمة لانني بعد غيبة طويلة مررت على منطقة جامعة افريقيا وما حولها.. فشاهدت سوقا رائجة زاحفة تكاد تغطي شارع المواصلات الرئيسي.. وزاد الطين بِلة ان مياه الأمطار قد غطت الشوارع والساحات..فكان المنظر مدهشا مع الباعة وأصواتهم العالية يروجون لبضاعتهم.. والجمهور يخوض في الوحل كي يركب المواصلات او يشتري احتياجاته..!!
وطلبة الجامعة ومنسوبوها وضيوفها يخترقون كل ذلك عند دخول الجامعة والخروج منها.. وكما يقولون اختلط الحابل بالنابل.. والزيت بالدقيق.. فكان المنظر بالنسبة لي مدهشا والصورة ذاتها وجدتها في نهاية شارع الستين.. وفي الازهري وبالقرب من جامعة الرازي.. اسواق شعبية عديدة يباع فيها كل شئ.. وارجو ان تكون في غفلة من الرقيب ومن اعين المحليات التي يتكسب بعض افرادها من هؤلاء الفقراء.. وهم يدفعون الاوتات لكي يواصلوا البيع والكسب الحلال رغم انف إصحاح البيئة والنظافة والمظهر الحضاري للعاصمة ومحاربة (ترييف) العاصمة..!!
اطعام البطون الخاوية.. واسكات جوع الاطفال هو المهم.. وتلك رسالة الاباء والامهات.. وذاك حمل ثقيل.. وجهاد عظيم مستمر لا يتوقف، اضف اليه هموم التعليم والعلاج والملابس..!!يالها من حياة قاسية صعبة..ولكن كما يقول أهلنا في السودان.. الحمد لله رب العالمين دائما وابدا وعلى كل حال.
ولا اتمنى حقا ان تقوم المحلية بإزالة هذه التجمعات هناك اَو في اي مكان، لان هؤلاء الناس لولا اضطرارهم لما كسبوا رزقهم بهذه الطريقة.. ولولا ان الناس يجدون في هذه الأماكن حاجتهم لما أقبلوا عليهم.. فهذا هو المخرج الوحيد المحتمل لكسب العيش الكريم الحلال.. ولكن نتمنى ان تكون يد المحليات حانية عطوف فلا تحارب هؤلاء في رزقهم ولكن تقوم بجهد مشكور في تحسين البيئة والنظافة.
أخبرني أخ صديق ان صاحبنا فلان الذي عاد من الخليج قبل سنوات ولم يجد عملا مناسبا قد افترش شواله في أحد الأسواق وبدأ في بيع التوم والبصل.. وانه مسرور من نتيجة عمله الجديد..اما صاحبنا الإعلامي المعروف فقد طلق وظيفته الحكومية طلاقا بائنا بينونة كبرى وعمل في فرن رغيف بلدي.. وصرح اََو اعرب على طريقتنا في الصحافة عن اغتباطه بعمله الجديد وأنه يعود الى بيته بعد المغرب كالطير تغدو خماصا وتعود بطانا.. فهو يحمل كيسا كبيرا من الرغيف ينوء بحمله فضلا عن ألفي جنيه يومية.. هذا غير (قِريض) الرغيف مع كباية الشاي طوال النهار والعصر!!
ولا تعليق.