صوت القرآن الكريم بصوت القارئ شيخ الزين يرتفع نديا منذ الصباح الباكر عبر مايكروفون المدرسة الثانوية للبنات بجوارنا في الحي.
بعد طول غياب فتحت المدارس أبوابها.. واشرقت شمس الصباح وأبناؤنا وبناتنا يتجهون صوب مدارسهم بكل وسيلة متاحة كفاحا من أجل العلم.
من المدرسة المجاورة اسمع نشيد العلم طابور الصباح والخطابة الصباحية.. وأشعر بالرضا.. للتعليم قدسية وجمال للمعلمين والمعلمات كل الحب والاحترام والتقدير في اليوم السنوي للمعلم الذي صادف أمس الأربعاء.
أمس حظيت بمشاهدة مقطع فيديو قصيرا جدا لعدد محدود من الطلاب بزيهم المدرسي على حميرهم وهم يحاولون قطع ترعة الى الجانب الآخر للوصول الى المدرسة.. تمنيت ان تحول تلك الصورة الى بوستر جميل وان تعمم في المدارس والطرقات وتحكي جانبا مشرقا من كفاحنا اليومي من أجل العلم.. فنحن نحب العلم والتعلم ونحرص عليه في كل حال.
ومايزال عالقا في ذاكرتي الى اليوم مناظر لن انساها لتلاميذ وتلميذات صغار في اعلى سفوح الجبال في الطريق الوعر من بعد مدينة كرن الارتيرية الجميلة التي لنا مع حكايات وذكريات جنودنا البواسل في الحرب العالمية الثانية الى اسمرا العاصمة، وهم يذهبون الى مدارسهم في صباح باكر مشيا على الأقدام في مناطق خطرة وفي برد شديد..!!
لن انسى منظرهم ما حييت.. ولن انسى حرصهم وحرص أولياء أمورهم على تعليمهم رغم قسوة الحياة وصعوبتها وشظف العيش.. ولهؤلاء التلاميذ والتلميذات مستقبل باهر عظيم إن شاء الله تعالى.
وفي بلادنا هذا الحرص ذاته في الأقاليم والقرى وعند اهلنا الرحل السارحين مع الراعي والسعية.. ولكن هناك من يحرص على التعليم..و هناك من ينتقل المعلم معهم في الحل والترحال..وهناك جهود حثيثة لكي لا يفقد أبناء الرحل في مناطق شتى من السودان حظهم في التعليم.. وتلك جهود تبذل من قبل اليونسكو واليونسيف ومن قبل وزارة التربية والتعليم ومن قبل منظمات عديدة ذات صلة بالتعليم.. خاصة ان هناك مخاوف جمة من تسرب عدد كبير من ابناء السودان من التعليم والمدارس بسبب الضائقة الاقتصادية.. وقُدر العدد بنحو ثمانية مليون طفل وهذا عدد كبير جدا ومخيف..!
قبل ايام سمعت تصريحا للسياسي السوداني المخضرم البروفيسور الجزولي دفع الله حفظه الله واطال عمره وهو يدشن قافلة مساعدات مقدمة من هيئة الإغاثة الإسلامية لمناطق الحاج عبدالله.. ولفت انتباهي في تصريحه ان أهالي المنطقة قالوا إنهم لا يريدون مساعدات غذائية بل يريدون خيام لاتخاذها مقرا التدريس بدلا عن المدارس التي تهدمت ويريدون معدات لإصحاح البيئة.. وقال إن القافلة اقتصرت على هذه المطالب التي تؤكد اهتمام أهل المنطقة بالتعليم رغم أنهم يعانون الآن من العقارب والبعوض وغيرها من نواقل الأمراض بسبب السيول والفيضانات.
واهتمام السودانيين بالتعليم ليس غريبا ولا جديدا بل هو اهتمام منذ زمن بعيد لم تخبو
شعلته ولا أواره بل ظل مشتعلا ومستمرا.. وكان للتعليم الأهلي قصب السبق على التعليم الحكومي في الذيوع والانتشار.. وتبارى الوطنيون من رجال الأعمال السودانيين في إنشاء المدارس في المدن والقرى والأرياف.. وهناك مدارس عريقة ما زالت تحمل أسماء مؤسسيها الكرام الذين ظلت مدارسهم منارات في تاريخ التعليم في السودان.
وفي كل بلد وقرية هناك مدرسة شيدها محسن كريم.. لقد تلقيت العلم في المرحلة الوسطى في مدينة شندي في مدرسة عبدالكريم السيد الراحل المقيم وكنا اول دفعة درست بها.. وفي شندي الى الان توجد مدرسة المحامي الراحل المقيم عبدالله الحسن.. وفي المتمة مدرسة الأموي و َمدارس والشيخ مصطفى الامين في الخرطوم والمتمة وغيرهما.
لله در أهل السودان فهم اهل حكمة وعلم وكرم وفهم.. ولقد حاولت السياسة بكل قبحها ان تمحو فضائل اهلنا وعظيم صنعهم.. ولكن يخيب فالهم في كل محاولة .. ويفشلون وتذهب ريحهم و يعضون أصابع الندم..ولا خير فيهم..!