رب يومٍ بكيت منه فلما حزت(جزت) الى غيره بكيت عليه.. ويالها من مصيبة وياله من حزن مقيم أن تبكى على يوم مضى كنت فيه باكيا وانتقلت الى يوم جديد فكان البكاء والحزن فيه أشد واقسى..!
والسودان يمور ويشتعل ولا تخبو أوار نار ه المتقدة ولا وميض ناره التي هي تحت الرماد.. وكأن هذا الوطن العزيز يساق قسرا الى المقصلة او الفناء .. والمحاولات لم تتوقف منذ قرون خلت حتى قبل ان يولد السودان المعروف الآن حدودا جغرافية دولية متعارف عليها.
ويبدو أن الحابل والنابل معا قد وجها علينا السهام المسمومة.
فلا يمر علينا يوم جديد إلا ونحن ندخل في متاهة جديدة لانعرف عنها شيئا.. شاهدت قبل ايام فيلما اجنبيا اسمه (المتاهة) وكان فيلما جميلا ذكرني بحال السودان وشبابه.. وهذه المتاهة التي هي في الفيلم ظهرت وكأنها عالما من عوالم القرون الوسطى مع شباب كأن عليهم ان يستكينوا لحياتهم تلك التي أدخلتهم المتاهة ولا توصلهم لشئ خارج هذه المتاهة ولهم ان يعيشوا وفق قانون وضعوه بأنفسهم.
وحين قرر بعض الشباب التمرد والخروج نهائيا من المتاهة اكتشفوا ان تلك المتاهة في قلب حضارتهم الحالية وفي وسط مدينتهم المتحضرة جدا التي تضج بكل أشكال وفنون الحياة وانهم زرع فيهم الوهم والخوف فعاشوا في تلك المتاهة أسرى ومستكينين لنمط حياتهم الجديد.! ترى مالذي حدث لنا وجعلنا في هذا الدرك السحيق من البؤس المادي والمعنوي.. لقد كان شبابنا الذين سبقونا واصبحوا الان قادتنا ومن هم أكبر سنا منا قدوتنا ومصدر فخرنا ذات يوم .
ثم اكتشفنا ان البوصلة التي كنا نحدد بها الاتجاه مفقودة او معطوبة .. واكتشفنا ان ثمة تصدعا نفسيا او شرخا او كدمات تشوه الفكر و الحياة التي نحياها..! وهكذا الحال مع شبابنا وشاباتنا.. ! إن هذا العقل الذي أكرمنا الله به لا يكف عن التفكير 24ساعة.. ولكن احيانا يفكر عكس عقارب الساعة واحيانا يتلوث بمرئيات بصرية وسمعية فتحول اتجاهه او تحد من قدرته على التفكير والتعاطي السليم فيصيبه العطب ويكون نتاجه غير سليم ولكنه قد يكون مبهرا وجاذبا فتتحلق حوله عقول أخرى تشبهه او تنبهر به..!
والذي يحدث في السودان على مستوى العقول ليس جديدا ولا مستترا ولكن كان في نطاق ضيق بسبب محدودية الانتشار ولكن الان مع الانترنت والاسافير فإن غولا أو تننينا هائلا يكاد يغطي كل شئ ويبتلع في جوفه كل شئ.. مساحات لاتشبع من الاخبار والتقارير والحكايات و الأكاذيب والمؤامرات والحقد والحسد وايضا من الخير والجمال والصلاح والتقوى..
واذكر انه في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين حيث كانت مصر تشهد انفتاحا اقتصاديا في عهد السادات وحين بدأت الصحافة المصرية تتنفس في مناخ جديد وحرية ملونة.. ظهرت الكثير من الصرعات الشبابية وكثير من التجديد في قضايا متفرقة حتى في مجال الفكر الديني والتطرف.
وساعد على إثارة تلك القضايا على اختلافها المجلات المصرية مثل صباح الخير والمصور وروز اليوسف وآخر ساعة واكتوبر والكواكب وغيرها وكذلك مئات الاصدارت الجديدة من الكتب حيث تنافس عدد من الأدباء في مصر هواء منعشا ربما فظهرت امهات الروايات المصرية لعدد من كبار كتاب مصر وقتها نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي ويوسف إدريس وأنيس منصور وغيرهم.
كانت تلك ثورة هادئة دقت على الرؤوس وفجرت مكنونات متباينة بين راض أو ساخط.. نحن في السودان لسنا بعيدين عن تلك العهود ونكاد نعيدها من جديد في وأفق واسع وسماء مفتوحة وحرية لاتمسك باليد المجردة ولكن ربما نتنفسها مع الهواء والواي فاي.
هذا المقال كتبته ونشرته قبل أربع سنوات في هذا اليوم ذاته. ثم ذكرني به الفيس بوك اليوم.. وحين أعدت قراءته وجدت ان الحال هو الحال نفسه والحالة نفسها ولا تغيير إيجابي يذكر
صحيح ان بعد ذلك حدثت ثورة الشباب الهادرة القوية المبهرة.. ثم للأسف عدنا الى المتاهة ذاتها..دون انتباه..!! كان راعي القطيع غير جدير بالثقة..!!