والمياه.. فيضانات وأمطار تحيط بنا من كل جانب.. شرق و وسط وغرب وجنوب وشمال ومازلنا في بداية مواسم الخريف والامطار والفيضانات.. وكان الله في عون السودان بلدا وشعبا.!!
ليس السودان وحده الذي يعاني من جراء التغير المناخي فالجفاف يضرب الصومال وأجزاء من الصين.. والفيضانات في السودان ومناطق من الصين والهند. ودول اخرى حول العالم..والحرائق تلتهم الاخضر واليابس في على امتداد قارات العالم مع ارتفاع موجات الحرارة بشكل غير مسبوق.
وتغير درجة الحرارة اثر على الكائنات ايضا وحتى السلاحف البحرية في أعماق البحار..!
في العام 1988شهد السودان في مثل هذه الأيام فيضانات وأمطارا عارمة تفاعل معها المجتمع الدولي وخاصة المنظمات والهيئات والجمعيات الخيرية في دول الخليج والعالم التي تنادت لانقاذ السودان في صور تكافل انساني كثيرة وجميلة وموحية.. وامتد عطاؤها طوال مواسم الفيضانات المتتالية منذ عام 1988.. ولقد كنت شاهدا على تلك المساعدات من الامارات الى السودان منذ ذلك العام 1988وحتى تاريخه.. وهي مع دول صديقة أخرى تظهر تكافلا انسانيا عظيما.
تلك الفيضاناتُ بفعل الامطار الغزيرة وبفعل زيادة منسوب مياه النيل الازرق والقاش وعطبرة وستييت وغيرها مما ياتينا من الهضبة الحبشية التي لا تتاخر عن موعدها السنوي.. ولا تغير مجراها لأن السيل لا يغير مجراه.. ماتزال تدخلنا كل عام في خسائر بشرية ومادية ونفسية تتزايد ولا تتناقص.
ورغم سبق الإصرار والترصد والعلم التام بموعد هذه الفيضانات والعلم التام باضرارها الكثيرة الفادحة لم يحرك المسؤولون على تعاقب الحكومات منذ مابعد الاستقلال ساكنا لحل الكوارث والأزمات التي تنشا من هذه الفيضانات والسيول في كل عام حلا جذريا نهائيا.. فالمعالجة عندنا للاسف ومنذ عقود تنحصر في ما يسمى بلجنة طوارئ الخريف وهي لجان صورية ديكورية لا تنجز شيئا.. لانها تهتم بالحدث الآني ولا علاقة لها بحلول مستدامة.
لقد رايت بأم عيني وفي كل عام مجارٍ للخريف تنظف وتجهز بعد هطول الأمطار او ما بعد هطولها..!!
وتظل تلك الجملة المعبرة عن الحال في كل خريف(لقد فاجاتنا الامطار او فاجأنا الخريف…) كما يقول بعض مسؤولي المحليات في الولايات..وهي جملة أصبحت للتندر والسخرية..!
وحين تسمع وتشاهد في الاخبار عن الاستعدادات المبكرة لفصل الخريف.. تفرح.. ولكن حين تقع الكارثة.. تجد انه لا استعداد و ذكرى حتى..!!
الذي يحدث هذه الأيام من كوارث في انحاء واسعة من الولايات حدث مثله العام الماضي والعام الذي قبله..ولكن لا حياة لمن تنادي..!!
وما ان تجف المياه ويزول خطر الخريف وتتوقف الامطار يعود السكان الى الاماكن ذاتها والى مواقعهم ذاتها يعيدون بناءها بما يستطيعون من تراب وجريد وزنكي إن وجد.. مبان هزيلة لا تصمد امام الهواء ناهيك عن الفيضان!!
ويستانفون حياتهم وكان شيئا لم يكن!!
ثم تتكرر الماساة ذاتها ويهرع المنقذون والمسعفون نحوهم لانقاذ ما يمكن انقاذه ودون جدوى..!!
لم نر حتى اليوم خطة شاملة لبنية تحتية في مناطق الفيضانات والسيول..؟ لم نسمع ان هؤلاء المتضررين تم ترحيلهم الى مناطق اكثر امنا وبعيدا عن مسار السيول..!
حين ينتهي موسم الخريف يتنفس المسؤولون المعنيون الصعداء ويتناسون اصحاب تلك المواجع والكوارث لينخرطوا في قضايا وازمات اخرى..!!
الان المساعدات الإنسانية الخيرية تتواصل من مصر والسعودية والإمارات وقطر ودول اخرى.. كما يحدث في كل عام.. وهذا جهد إنساني مشكور مقدر من اصدقائنا واشقائنا فلهم التحية والتقدير.. ولكن نود أن يكون حجم مشاركة السودانيين أنفسهم وخاصة الاغنياء منهم اكبر حجما واتساعا.. وان يهب الجميع بلا استثناء لنجدة المتضررين بكل السبل والوسائل المتاحة.. كل سوداني يستطيع ان يقدم دعما مقدرا حتى لو قطعة خبز واحدة يابسة فهي تفيد شخصا ما.. نحتاح الى نفير سوداني واسع كما حدث في عام1988.
ولكن نحتاج قبل كل ذلك الى خطة عاجلة اتحادية للنظر في امر المناطق السكنية في مجاري السيول.. وكذلك الى استخدام مواد لبناء المنازل غير الطين وبمواصفات معينة حتى لا تتكرر تلك المآسئ كل عام.