(العيد الجاب الناس لينا ما جابك) .. اغنية لها وقع خاص فيها حزن خفي وشجن.. كثيرا ما نرددها في الأعياد.. فهناك دائما غائب ما لم يحضر لمشاركتنا العيد.. لـ سببه وعذره.. ولكن اولئك الذين رحلوا عن دنيانا وتركوا في حياتنا فراغا عريضا لم يحضروا العيد.. ولكن كأنهم معنا بأرواحهم.. رحمهم الله جميعا رحمة واسعة وغفر لهم.
كنا يوم الوقفة ننتظر عودة اخواننا و اقربائنا من السفر للعيد.. وكان حدثا مهما لنا وننتظره بفارغ الصبر.
بعد صلاة الظهر نتجمع نحن أولاد الحي وبناته عند الشارع الرئيسى القادم من جهة السوق جنوبا باتجاه حي الحجازة.. وكانت بيوتنا في مربع 7 بشندي فوق لا تبعد كثيرا من السوق حيث محطة البصات التي تكون في مثل هذا الوقت مكتظة بالبشر والعربات والعفش.. في منتصف النهار تعود معظم البصات المعروفة من الخرطوم الى شندي حيث يكَون بص حدباي القديم في مقدمة العائدين ثم بص الاكسبريس وبص…. وهما بصان او اتبويسان حديثان حظيت بهما شندي وحققا نقلة في مفهوم السفر بالبصات المريحة والسريعة.
كانت الباصات القادمة من الخرطوم تصل الى شندي عند منتصف النهار تقريبا وكنا نتوقع وصول القادمين الينا بعد حوالي نصف ساعة تقريبا وما أن تهل سيارة تاكسي مقبلة من بعيد حتى نتحفز
لاستقبالها وكل يمنى النفس ان يكون القادم اخاه او قريبه..وما ان تهدي سرعتها حتى نركض نحوها.. قد يكون القادم اخي احمد او اخي محمد حسن او جارنا النور الفضل او خالد فتح الرحمن او غيرهم من شباب الجيران والحي .. ونظل ننتظر حتى يتاخر الوقت قليلا فندرك ان من ننتظر لن يحضر.
وكانت أغنيتنا المفضلة في العيد هي اغنية الاستاذ محمد الامين العيد الجاب الناس لينا ما جابك.. وهي قد تعكس جانبا من إحساسنا حين لا يصل من ننتظر او قد تشى احيانا بحنين غامض الى شخص ما كان سره مخبأ بين الضلوع وكنا ننتظر اوبته على امل ضئيل.. لاننا نعلم انه لن يات..!
حينما لا ياتي اخوك او ابوك للعيد لا يكون للعيد طعم بل تشعر بمرارته.. ولكن غالبا ما تكون هناك مفاجأة سارة صباح العيد حينما تجد الغائب المنتظر حاضرا بيننا وقد وصل ليلا عندما كنا نغط في نوم عميق َ.. فهناك وسائل اخرى كثيرة غير بصات شندي المعروفة مثل القطارات واللواري السفرية والعربات الخاصة وغيرها.
اشتهرت شندي في تلك الفترة بعربات الفولغا الروسية التي كانت تميز تاكسيات شندي عن غيرها.
ولا ادري كيف اصبحت تلك العربات الروسية متوفرة في شندي ولا من هو وكيلها الحصيف..؟
.. ولكنها لعبت دورا مهما في مواصلات شندي لعدة عقََود.. ثم جرى التغيير المعهود بعد أن تهالكت وغزت العربات الكورية مدن الولايات وقراها مثل الاتوس والكليك وغيرهما.. ثم احتلت الركشات الجانب الأعظم من سوق المواصلات فأصبح لها القدح المعلى على ذوات الأربع عجلات..!!
في زمان صبانا لم تكن هناك ركشات ولا عربات كوريه.. ولكن تتجاور عربات الكارو مع عربات التاكسي.. وكثيرا ما تكسب مشاوير من المحطة الى بنطون شندي.
كانت عودة اخواننا وابناء الجيران والحي من الخرطوم وبورتسودان وغيرهما حدثا جميلا في العيد.. وتكون الزيارات والتجمعات أيام العيد حلوة والونسة وأطايب الطعام رائعة ثم الذهاب الى استاد شندي لمشاهدة مباراة مهمة وغالبا ما تكون بين اهلي ونيل شندي.. وكان لناديي النيل والأهلي برامج وأنشطة اجتماعية ورياضية وثقافية ومسابقات طوال شهر رمضان وايام العيد.. كما كانت سينما شندي تعرض اقوى الافلام خلال العيدين السعيدين..ومازلنا نذكر افلاما عربية عرضت في العيد لحسن يوسف وأحمد رمزي ومحمد عوض وسعاد حسني ونادية لطفي وثلاثي أضواء المسرح.. الخ
رعى الله تلك الايام الجميلة التي اصبحت ذكرى ولن تعود..كما أن سينما سندي اصبحت اثرا بعد عين.