الرئيسية » المقالات » وحي الفكرة [محجوب الخليفة]: السودان الرهان على اﻹصلاح من الخارج

وحي الفكرة [محجوب الخليفة]: السودان الرهان على اﻹصلاح من الخارج

محجوب الخليفة

تقول الحكاية التأريخية أن أهل قريش في عهدهم الجاهلي كانوا مستغرقين في روتين الحياة بالجرأة ويستسلمون لما تعارفوا على تسميته بالخباء وهو مكان ينتظرون فيه الموت جوعا تحت حصار الفقر والعوز، ولم تتمكن قريش من الخروج من دائرة روتين الفقر وانتظار الموت جوعا ،إلا بعد أن سمع بهم هشام بن عبد مناف وهو احد التجار الكبار فجمعهم وقال لهم أنتم قريش وأهل البيت كيف تستسلمون للفقر وتذلون أنفسكم والعرب بالخباء ، ثم اقترح على اﻷغنياء تقاسم اموالهم مع الفقراء ثم ابتكر لهم رحلتين تجاريتين أولي إلي اليمن والثانية إلي الشام ، فازدهرت حياتهم برحلتي الشتاء والصيف
وعاشت مكة في رغد العيش وتسيدت قريش العرب. وقد أشارت سورة قريش الى ذلك، بل وضعت قاعدة ذهبية ﻹستقرار المجتمعات والدول وهي (اﻹطعام من جوع واﻷمن من الخوف)، وهي قاعدة لا تستطيع أي دولة تجاهلها او تجاوزها إنها قاعدة السلام الاجتماعي، ومنصة البناء، والتنمية، والتطور.
وكأنما الحالة السودانية المعاصرة تشبه الى حد بعيد حالة أهل قريش في جاهليتهم
فالشعب السوداني مستغرق في روتين غريب يعتمد على تحويلات المغتربين الى اسرهم مع استمرار دائرة الطقوس الاجتماعية الي تسيطر عليها الوﻻئم والاسترخاء والجدل الممل.
المراقب للوضع الحالي في السودان يقرأ بوضوح تعويل الحكومة اﻹنتقالية ورهانها على إصلاح الحال العام للبلاد اعتمادا على المبادرات الخارجية، واستخدام ذلك كمنصة أساسية للتخلص من كل المشاكل ومن ثم اﻹنطلاق نحو مستقبل جديد للسودان.
نلحظ ذلك في إسراع حمدوك في طلب الاستعانة ببعثة إدارية أممية، ربما ﻹدراكه لصعوبة كسر طوق الروتين السياسي والاقتصادي واستحالة فرض رؤيته ﻹحداث التغيير في ظل سيطرة جهات أخري علي مفاصل الدولة، مما أظهر حمدوك وحكومته كواجهة لحكومة تتلقى اﻷوامر والتوجيهات من الخارج، وربما يصل اﻷمر إلي اتهامهم بالعمالة وانهم موظفين أمميين مكلفين بتنفيذ خطط محددة في السودان، وستظل اﻹتهامات قائمة ومتداولة، وهي قابلة للنفي أو التاكيد في المستقبل القريب ونعني به مرحلة ما بعد مؤتمر باريس المخصص لدعم السودان وترتيب عودته للمجتمع الدولي.
فلنفترض جدلا نجاح مؤتمر باريس في إنجاز مهمة إعفاء ديون السودان وانطلاق مرحلة تدفق الدعم وتأسيس الشراكات الاقتصادية الكبرى، أي اكتمال تنفيذ فكرة اﻹصلاح من الخارج، فهل بذلك يتمكن السودان من التخلص من أزماته المزمنة ومشاكله المعقدة؟
ليس سهلا تحقيق النجاح الكامل في غياب إعادة تأهيل السودانيين أنفسهم، حكاما ومحكومين بإحداث هزة قوية تسقط كل الثقافات والمرجعيات السالبة التي تفسد القادة وتشجع الشعب على إدمان الفساد.
طلاء المنزل من الخارج وزخرفته لا يمكن أن تساعده على الصمود طويلا إذا لم نهتم بتأهيل اساس المنزل وتحسين أثاثه من الداخل، ولذا يظل الرهان على اﻻصلاح من الخارج رهانا ناقصا يحتاج الى استصحاب إعادة تأهيلنا نحن اهل السودان.
فهل يستطيع حمدوك أن ينجز ما أنجزه هشام بن عبد مناف لقريش في عهدها الجاهلي ليخرج أهل السودان من خباء انتظار الموت جوعا إلي رحاب شراكات تساعد فقراء السودان على اﻹنطلاق الى مواقع اﻹنتاج والوفرة وقبل ذلك استعادة أخلاقهم وانضباطهم وأمانتهم في المعاملات والتخلص الى اﻷبد من الروتين السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟؟؟