سد النهضة اﻷثيوبي أصبح واقعا وعلينا أن نعترف بتأخر السودان ومصر في إبداء اعتراضهم عليه ، فأصبح واقعا ليس من مصلحة السودان ولا إثيوبيا او مصر تدميره أو حتى التلويح بضربه ، ولكن الواقع يقول بضرورة التعاون بين الدول الثلاث لتأمين السد مع ضرورة تأمين انسياب حصصها من المياه، فليس مقبولا ان تمنع إثيوبيا السودان ومصر من حقهما المشروع ، كما لايجوز أن تعترض مصر او السودان علي حق إثيوبيا في اﻹستفادة من سد النهضة طالما أنها لا تمانع من حفظ الحقوق التاريخية للسودان ومصر مع التزامها في إشراكهما في تأمين السد ، والذي يشكل تعرضه ﻷي مخاطر تهديدا مباشرا للشعبين السوداني والمصري معا.
ومن الغباء أن تبيع الدول الشقيقة إخفائها وتعاونها وأواصر القربى لتشتري التنازع والصراع ظنا منها أن ذلك انتصارا ، فلن تستطيع إثيوبيا أن تكون قوية وآمنة وسعيدة بعيدا عن السودان ، مثلما لا يستطيع السودان أن يكون قويا ومستقرا وسعيدا بعيدا عن اثيوبيا ، وفي حال انتصار اثيوبيا علي السودان بحجب المعلومات اﻷساسية حول سد النهضة او ابعاده عن تفاصيل وفنيات توظيف السد العظيم أو التمسك بأنها ليست مسئولة عن مايترتب من آثار إيجابية أو سلبية لتشغيل سد النهضة بحجة انه مشروع اثيوبي يخصها وحدها وأن ماء النيل اﻷزرق مورد مائي اثيوبي ، فإن ذلك خطأ فادح لا يصححه اﻷ اﻹلتزام اﻷخلاقي بما تم اﻹتفاق عليه وظلت تردده الحكومة اﻷثيوبية نفسها وهي أن السد انشيئ لتلبية حاجة اثيوبيا لتوليد الطاقة الكهربائية التي تناسب نهضتها ومشروعات البناء الضخمة التي تنتظمها، وان نصيب السودان ومصروحصتيهما لن يتأثرا لسببين الاول أن السد يقع قريبا من الحدود السودانية اﻷثيوبية وفي منطقة صخرية وجبلية شديدة اﻹنحدار وثانيا ﻷنه من الصعب أن تستفيد اثيوبيا من السد في غرض آخر غير انتاج الكهرباء أو تعمد حجز ماء النيل والتحكم في الحصص وذلك ما لايقبله عقل أو منطق ولا يمكن ﻷي سياسي اثيوبي عاقل ينحو لمثل ذاك التصرف والذي يضع كل منطقة القرن اﻵفريقي في مواجهة وصراعات مهلكة.والسودان الذي لم يظهر إنزعاجه من المشروع في بداياته ليس من مصلحته خسارة شقيقته اثيوبيا ، ولذا لم تتسلل إليه الشكوك والريبة اﻷ نتيجة لتعنت اثيوبيا ورفضها سماع حججه القوية في مطالبته في المشاركة الفنية والوجود الفعلي لخبرائه لتأمين حق السودان في حماية أمنه المائي ومن ثم تأمين سدوده القريبة جدا من سد النهضة ، بالمعلومات الدقيقة والوجود الفني للخبراء ضروري للغاية ، وذلك لا يضير اﻷخوة اﻷثيوبين ولا ينتقص من حقهم المشروع في اﻹستفادة من مواردهم بما يساعدهم في التنمية ولا يحرم غيرهم من حقهم التأريخي في اﻹستفادة من حصصهم وتأمين تدفق مياه النهر بمايتوافق واستخداماتهم (زراعة أو توليد كهربائي).يحتاج السياسيون في اثيوبيا والسودان ومصر أن يتركوا للفنيين وأهل اﻹختصاص التنسيق فيما بينهم وترتيب اﻹتفاقيات مع إشراك الخبراء القانونيين لتأمين حق إثيوبيا ، وحق كل من السودان ومصر دولتي المصب كما يشار اليهما دائما ( مع اغفال أن السودان شريك اصيل كدولة منبع ايضا لما تساهم به نسب اﻹمطار والوديان واﻷنهر الفرعية التي تغذي النيل اﻷزرق سنويا) ، حيث يقع علي عاتق خبراء الري رصد نسب المياه التي ترد الي النيل داخل اﻷراضي السودانية كمعلومات ضرورية يجب أن تعرفها دول حوض النيل (النيل الأزرق – النيل الأبيض- ونهر النيل) . فالسياسية تعمد أحيانا إلى إخفاء الحقائق أو تحويرها ﻷهداف أخري دون مراعاة لمايترتب علي تسيس القضايا الفنية وتدويل الخلافات علي نحو يعقد الوضع ويدفع إلي الخصومة والعداء بين اﻷشقاء.
بعيدا عن العواطف والشحن السياسي الغريب والمفاوضات ذات الطابع السياسي فلن تنتصر اثيوبيا ابدا إذا تجاهلت اشقائها في السودان ومصر ولن تفلح مصر أبدا إذا اعتقدت أن التهديد بل والتفكير في إستخدام القوة
فإذا كان الفهم اﻵثيوبي التحكم في مياه النيل وإستخدامها للضغط،وتمرير ما تريد ، فإن ذلك خطأ تاريخي ترتكبه النخب اﻷثيوبية الحاكمة ، ﻷن السودان ومصر لا يعجزهما استخدام وسائل اخري لمواجهة تلك الضغوط إذا حدثت.
فليعلم اﻷثيوبيون والسودانيون والمصريون معا أن لا سبيل سوى التفاوض بعيدا عن التأثير السياسي والتفاهم مع اصطحاب المنافع المشتركة ووضع الحلول والضمانات التي تحفظ لشعوب النيل اخائهم ومودتهم وتعاونهم واﻹستفادة من الموارد واﻹمكانيات لصالح تلك الشعوب ، فمن الغباء ان يعتقد أحد أنه انتصر بفرض رؤيته ، فكل منتصر لدولته هو في الحقيقة خاسر ولا نصر الا ﻷثيبوبيا والسودان ومصر معا وقد اتسعت مجالات التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والحرص علي أن تبقي دول حوض النيل متماسكة وقوية ومتعاونة تحفظ أواصر اﻹخاء صلة الرحم .