الرئيسية » المقالات » وحي الفكرة [محجوب الخليفة]: أين الصندوق حتى نفكر خارجه؟؟

وحي الفكرة [محجوب الخليفة]: أين الصندوق حتى نفكر خارجه؟؟

الخليفة

التفكير خارج الصندوق هي العبارة المتصدرة في المتداول من الكلام المكتوب والمنطوق هذه اﻷيام ، ولكن إذا سلمنا جدلا بأن استعداد الشعب السوداني مكتمل للتفكير خارج الصندوق كما يقولون بينما الحقيقة تقول بأن الشعب السوداني يحتاج لمن يخبره بالصندوق نفسه ومكان تواجدها حتى يتمكن من التفكير خارجه ، وهذه ليست مزحة وإنما حقيقة تفرض على الحكومة ومنابرها اﻹعلامية شرح حكاية الصندوق هذه وكيفية التفكير خارجه. أي نحتاج أن نعرف أن الصندوق هو الروتين أو هو حدود وهمية تمنعنا الحركة والمبادرة وتحرمنا من جرأة اﻹبتكار وهذه الموانع الوهمية ظلت كقيود صارمة تكبل اﻷفراد والحكومات واﻷحزاب والشركات وتمنعها من إستغلال الثروات البشرية والموارد الطبيعية الضخمة ،
والصندوق في كلمات واضحة هو حالة من الخوف المتوهم والثقة الغائبة والتي جعلتنا منذ مئات السنين نصدر مواردنا خاما ليستفيد منها آخرون وننتظر هؤلاء اﻵخرين ليعرفونا حتى بأنفسنا وثقافتنا فلا نعترف بعلمائنا وادبائنا ولا فنانينا اﻹ بعد أن يخبرنا اﻵخرون بهم ، وبذات النهج نعرف قيمة مواردنا الطبيعية منهم ، والغريب في اﻷمر أن الصندوق الذي يطالبوننا بالتفكير خارجه نحن لا تقبع داخله كما يظن كثيرون وإنما هو الذي يتربع في دواخلنا ويمسك بتلابيب أي فكرة أو رغبة في التغيير
أذكر أنني كتبت وعلي الصفحة اﻷخير بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية في مطلع الثمانينات وكنت يومها طالبا بقسم الصحافة واﻹعلام جامعة اﻷزهر موضوعا عن مبادرة رصدتها ﻷحد اقربائي أرهقه نقل الخضروات والعلف من جزيرة داخل النيل وقد بدت المياه ضحلة لدرجة تجعل الناس يعبرون مشيا على أقدامهم ولكن ترهقهم الرمال والتي تفصل بين برك المياه والقرية ، والمبادرة التي رصدتها يومها هي جرأة ذاك القروي باستخدامه عربة كارو يجرها حصان استطاع بجرأته أن يهزم الوهم الذي منع أهل القرية وهو اعتقادهم باستحالة مرور أي عربة كارو او سيارة نقل فوق الرمال ، واﻵن وبعد ما يزيد على الثلاثين عاما أصبح مألوفا عبور الجرارات وعربات النقل فوق تلك الرمال لنقل المنتجات الزراعية والتي أصبح الموز في صدارتها.
القروي صاحب الكارو تمكن من التغلب على الصندوق واستطاع أن ينفذ فكرته فكانت جرأته مفتاحا لتخفيف المعاناة واختصار الوقت وحتى تغيير وضع الجزيرة التي دخلها أحد المستثمرين لتكون مكانا مناسبا ﻹنتاج الموز وتغذية السوق المحلي ودعم صادر الموز.
إذن ليعلم كل السودانيين أن الصندوق بداخلهم ولكنهم مسجونون تحت سطوته وحدوده وموانعه الوهمية ، ومن ثم إذا رغبوا في التفكير خارج الصندوق عليهم اولا اعتماد الجرأة واﻹقتحام والثقة بالنفس والبحث عن الجديد وتجريب اﻹبتكار والخروج على الروتين هو نفسه التفكير خارج الصندوق والذي نحتاج إليه اﻵن بشدة حتى يتحقق التغيير المطلوب.