كل المؤشرات تتجه بقوة نحو دخول السودان قريبا وقريبا جدا لمرحلة السيادة المدنية، علي الرغم من التضارب والتجاذبات المسيطرة علي الوضع الراهن، فلماذا اصبح السودان قريبا من السيادة المدنية ؟ وماهي أهم ملامح المدنية التي ينتظرها الشعب؟
حتمية الدخول إلى مرحلة التناغم المدني ذاك أمر لا فرار منه ﻷن كل القوى السياسية وجميع القيادات الوطنية وعلي رأسها المكون العسكري ملزمة وبنص الوثيقة الدستورية وتعديلات وثيقة سلام جوبا ووفق الشراكة اللصيقة مع المجتمع الدولي بما في ذلك اﻹتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والولايات المتحدة اﻷمريكية واﻹتحاد اﻷروبي وبعض الدول العربية الشقيقة ، يكون مستحيلا استمرار تعطيل التحول المدني وتأخير تسليم رئاسة مجلس السيادة للشريك المدني داخل المجلس في شهر نوفمبر القادم ، والحراك الذي شهده الشارع السوداني هو تنفيذ للتنافس بين معسكرين أحدهما لا يرغب في التحول المدني ويخشى من سيادة العدل السلم والقانون ، ومعسكر آخر ملتزم بالثورة ورغبات الشعب وينشط في تحقيق التحول المدني والتخلص من كل العقبات واﻹتجاه نحو إكمال مهام الفترة اﻹنتقالية. وقد جاءت نتيجة التنافس بين شارعي المعسكرين لصالح معسكر أنصار المدنية .
ميلاد التحول المدني في السودان يبدو عسيرا جدا ولكنه ليس مستحيلا ، وما يظهر من مناكفات وتجاذبات وضغوط هي كلها مخاض عسير لولادة المدنية في السودان . والتجاذبات والمناكفات وإن بدت مزعجة لدرجة الخوف من الذهاب بالوطن إلي مخاطر اﻹنهيار الكامل ، إﻻ أنها تؤشر إلي ان المدينة الوليدة لا يمكن ان تعيش وتنمو الا باﻹنضباط والمسئولية واﻹلتزام الصارم بالواجبات الوطنية والعمل علي خدمة الشعب والمحافظة علي شعارات الثورة ،( حرية ، سلام وعدالة) في معاملات الدولة وطريقة الحكومة في إدارة شؤون البلاد الداخلية ومصالحها العامة وعلاقاتها الخارجية.
المدنية المسؤولة والمنضبطة هي حرية ولكنها ليست فوضى هي حركة وعمل ولكنها ليست تجاوزا للقانون ،بل هي إحترام لعقائد الناس وحمايتهم في دورهم وأماكن عملهم ومواقع تواصلهم حيثما كانت وأنشطتهم الدينية والثقافية واﻹجتماعية ، هي تشجيع الناس علي العمل واﻹنتاج والتعاون وتداول اﻷفكار والتجارب والمبادرات في تناغم . والمدنية ليست كفرا ولا تفريطا في اﻷخلاق او انفراط في عقد التماسك اﻹجتماعي كما يظن البعض ،بل المدنية المسؤولة والمنضبطة أكثر التزاما باﻷخلاق
ﻹنها تمنع التحايل واستغلال الدين والسلطة والحزب والقبيلة والجهة لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية او قبلية او جهوية وكل ما يهدد ويضر بمصالح الوطن والناس ، فمرحبا بالمدنية المسئولة والمنضبطة التي أقتربت من بوابات الدخول إلى سدة الحكم في السودان.