قبل ان يختلط علينا اﻷمر هناك فرق بين فن الحياة والحفاظ على الحياة، فالحفاظ على الحياة فعل مشترك بين الكائنات الحية بما فيها الحيوان والنبات واﻹنسان ويكون بالمداومة على اﻷكل والشرب ومقاومة اﻷمراض ودرء المهددات جميعا إذن الحفاظ علي الحياة ممارسة مادية غالبا ما تتعلق بمتطلبات الجسد ، ولكن فن الحياة شيئ مختلف تماما ، تري ماهو؟؟
فن الحياة موهبة إلهية تتعلق باﻷرواح وبه يستطيع اﻹنسان أن يبتكر سبلا للسعادة وقدرة مذهلة لتجاوز الصعاب واﻹستمتاع ببيئته المحيطة مهما تطاولت صعابها ومشقاتها، وكأنما هناك ثمة رابط روحاني بين اﻹيمان والثقة بالله وحسن اﻷمل والتفاؤل المقيم وفن الحياة.
والسودانيون شعب موهوب جدا بفن الحياة ولعله هو نفسه اﻹحساس الذي تشعر به وانت تمشي في الشوارع والطرقات ذاك اﻹحساس بأن كل من يسير في الشارع من حولك هم اهلك واقربائك تمتد ايديهم بسرعة اذا تعثرت في الطريق او تعطلت سيارتك او تعرضت لأي حادث لاسمح الله.
فن الحياة ربما يتجلى بوضوح أكثر وسط المغتربين ومن اضطرته الظروف للسفر خارج السودان أو الهجرة للعمل بعيدا عن وطنهم في الخليج العربي وفي أوروبا وامريكا وكندا واستراليا
فن الحياة الذي يجيده السودانيون هوالذي يمنعهم من خيانة اﻷمانة ويقوي ثقة مخدميهم وأصحاب العمل فيهم وهونفسه فن الحياة الذي ادهش أحد اﻷطباء السعوديين والذي حكي بدهشة كيف انه استقبل في إحدى المستشفيات السعودية سودانيا اصيب بحادث اثناء عمله وبعد الكشف و تنويمه بالمستشفى واجهت الطبيب السعودي مشكلة توفير ثمن روشتة الدواء الخاص بذاك السوداني والذي لم يكن برفقته أي شخص من معارفه، انتظر الطبيب السعودي المريض السوداني حتى افاق ثم سأله عن كيفية دفع ثمن روشتة الدواء ؟ فأجابه السوداني بكل ثقة وطلب منه أن ينزل إلي الشارع ويوقف أي سوداني يمر بالشارع ويخبره أن سودانيا مصابا داخل المستشفى وطلب مني أن اعطي هذه الروشتة ﻷي سوداني يمر بهذا الشارع
فكانت المفاجاة للسعودي سرعة استجابة السوداني بدفع ثمن الروشتة بل والصعود إلى السوداني المصاب والجلوس معه وتطييب خاطره ثم دس مبلغا من المال تحت وسادته ثم منحه رقم هاتفه ووعده بمعاودته وانصرف بهدوء ،وصلت دهشة الطبيب السعودي مرحلة الذهول عندما سال مريضه السوداني عن علاقته بالرجل فأجابه بأنه لايعرفه من قبل وتعرف عليه اﻵن بل كل واحد منهما من ولاية تبعد كثيرا من الولاية اﻷخري.
فن الحياة أن لايقتصر حبك لوطنك واهلك ومعارفك فقط وإنما ان تكون انساني المزاج عالمي الحب والهوي وقومي العشق واﻹرتباط ولذا تجد السودانيين يعشقون وطنهم ويحبون البلدان التي يسافرون اليها ويحفظون عن ظهر قلب علماء العالم في الطب، والهندسة، والدين، واﻹعلام ومشاهيره في الفن والغناء ،والمسرح،والسينما ،والتشكيل، والرياضة.
ولعل فيديو تداولته الوسائط لفتاة سودانية مع والدها إجتاحت السيول واﻷمطار قريتهم وانهار جزء من بيتهم ولكنهم رغم ذلك جلست الفتاة ووالدها علي تلة وسط سيل الماء وأرجلهما علي السيل المندفع ، وبدلا من أن تبكي شرعت تغني بصوتها العذب (أغنية اعطف علي ياريم) إحدي روائع حقيبة الفن للشاعر صلاح عبدالسيد أبوصلاح ليشاركها وابوها الغناء بسعادة انقذت ارواحهم من اﻹنهيار وإن إنهار جزء من منزلهم.
رغم إجادة السودانيين لفن الحياة ، الا أنهم بحاجة لتأهيلهم من جديد ﻹتقان الحفاظ علي الحياة نفسها ونقصد بذلك إتقان العمل واﻹنتاج واﻹبتكار وتطوير توظيف الثروات وقبل ذلك الحفاظ علي وطنهم بتطوير طرق إدارة الحكم بجرأة الخروج من دوائر الحكومات الفاشلة واﻷحزاب السياسية المتخلفة.