منذ ان اعلن وزير المالية الاسبق عبدالرحيم حمدي فى تسعينات القرن الماضي تبني حكومة الانقاذ سياسية التحرير كسياسة إقتصادية مشجعة للإنتاج ومحفزة للتنمية كما زعم يومها..كتبنا في صحيفة الشارع السياسي مقالا من جزئين تحت عنوان (حرية الأسواق عبودية الناس).وها هو الشعب السوداني بكل طوائفه وطبقاته يكتشف صحة ما ذهبنا إليه وما اكدناه يومها ان سياسة التحرير لا تناسبنا في السودان ولا يعقل ان تطبق عندنا بدون ضمانات تحمي الفقراء وتمنع الإنفلات والفوضى ..ولانها تنتهي بالناس إلى العبودية وتمنح السيادة الكاملة لحركة السوق …
الآن أصبح الشعب رهينا لعبودية محكمة لهذه السياسة الاقتصادية اللئيمة… والسوق يمسك بتلابيب الناس ولدرجة الاختناق وفوضي التسعير تضرب رقاب المواطنين….
والواقع يقول ان الاسواق هي المتحكمة تماما.. وان المواطن يجثو على ركبتيه طالبا ولضرورياته التي تصاعدت أثمانها الي معدلات خرافية… ولا يجثو على ركبتيه توددا الا من تقيده العبودية ولا يقبل بذل المواطن الا من يمارس سيادة غير مستحقة…
والسؤال الذي يحتاج إلى اجابة هل كانت سياسة التحرير
وفرضها على الشعب جزءا من إحكام السيطرة وهزيمة الشعب نفسيا وتحطيم كبرياء المواطن تكرار هزيمته أمام الاسعار يوميا..؟؟
وكأنما هي ترتيبات مدروسة لغرس العجز في نفوس الناس ونقلهم الي مرحلة تقبل أي شيء بتكرار الصدمات اليومية لسياسة التحرير ومن ثم تمكين حالة الرضا بالواقع الراهن تسود وتسيطر على كل المواطنين…
واذا كانت فكرة احكام السيطرة قد تسللت عبر سياسة التحرير وفوضى الأسواق فأن استعادة حرية الناس لابد ان تبدا من هناك ايضا.. وان يستخدم الناس كل الوسائل المتاحة لمحاربة الغلاء والاعتراض علي الزيادات غير المبررة وتبني ثقافة المقاطعة الحاسمة لكل سلعة باهظة الثمن…
نحتاج إلى إعادة صياغة الواقع اعتمادا علي الشعار الذهبي (الغالي متروك)… فمن هنا نستطيع استعادة حريتنا وبالتالي استعادة كرامة ومجد الوطن….
ورحم الله الشاعر الكوني محمد الفيتوري عندما ذكرنا بقوله(إنما يستعيد البلاد
الرجال الاسود
وليس الرجال النياق..
وأذا قدر لشاعرنا الكبير الفيتوري أن يعيش حتى اليوم ورغم ثورة الشعب العظيمة ضد الظلم والفساد ﻷضاف الي قصيدته تلك هذا المقطع..
وليت الثورة تكون اقتلاع
يدك الفساد ويمحو النفاق
بحزم وعدل ودون إنزلاق
كأن البلاد يطيل أساها..
خبث اليمين وكيد الرفاق..