ومأساة السودان منذ الاستقلال، هي أنه وطن محبوس داخل دائرة مقفولة وهو مثل كرة يتلاعب بها اليمين المتجاوز واليسار المتطرف ،وكلما حاولت أجياله التخلص من هيمنة اليمين وجدت وطنها رهينا لقبضة اليسار ، ليظل السودان وطنا مريضا مصابا بالدوار السياسي والإقتصادي،والإجتماعي.
وصراع اليسار المتطرف واليمين المتجاوز والذي جعل السودان محبوسا في دائرة التنازع والتشاكس المستمر ،هو ذاته الذي ادخل البلاد حلقة متناوبة بين الحكومات المدنية قصيرة العمر والانقلابات العسكرية المتحكمة لتشكل دوامة يصعب الخروج منها.
والملاحظ في نوبات الصراع بين اليمين واليسار أو اليسار واليمين ،أو في مناوبة الحكم بين الحكومات العسكرية والحكومات المدنية ،هو تعمد كل طرف تشويه صورة الطرف الآخر ومحاولة تجريمه والصاق الكثير من التهم الزائفة ، طمعا إلغاء وجود الخصم ، وتدميره بالكامل ، حتى ولو تطلب الأمر الاستعانة بجهات اجنبية تبحث عن موطئ قدم داخل السودان.
والمؤسف حقا أن يكون حال السودان بائسا، لأنه الوطن الوحيد في أفريقيا والعالم العربي الذي ظل يتقلب بين لهيب اليمين المتجاوز وحريق اليسار المتطرف، ليظل الشعب السوداني وحده المكتوي من التنازع بين العسكر والمدنيين من جهة وأهل اليمين واصحاب اليسار من جهة أخرى ، ولطالما حرص كل طرف علي تشويه صورة الطرف الآخر واتهامه بالخيانة والفساد ، حتي أصبح عسيرا علي الشعب السوداني إكتشاف الخيانة وتحديد الفاسد من بين الأطراف التي تعودت على تبادل الاتهامات فيما بينها، ولعل ما يجري على الواقع السوداني الآن يجسد الحقيقتين معا ، وهما بقاء السودان محبوسا داخل دائرة صراع اليسار واليمين واستمرار التخوين والاتهامات المتبادلة وإهمال قضايا السودان المزمنة ، ثم انتظار المناوبة بين الحكم العسكري والثورات التي تنتهي إلى التنازع والحكم المدني قصير العمر.