ليس أعجب من الشعب السوداني في ثقافته وطقوسه اﻹجتماعية ، وهو تناقض تلاحظه في التعبير كقولهم تكلم ساكت وقام قعد أو قام جلس ،فالكلام نطق والسكوت صمت والقيام حركة ونهوض والقعود او الجلوس عكسه تماما ، وهي نفسها ثقافة التناقض في الفعل والسلوك فنحن وحدنا من نجمع بين التعجيل والتأجيل
وفي الحالتين تتزايد احتمالات وقوعنا في الخطأ، فاﻹستعجال (الشفقة ) نتيجته الكلفتة وغياب اﻹتقان ،كما أن التراخي والذي يختلف عن التأني هو التأخير المفضي إلي تفاقم المشكلة او تعقيد الوضع لدرجة تجعل العلاج مستحيلا ، نحن من نتحدث عن التفكير و نتجاوزه إلي إﻹنفعال
ونطالب بالنظام واﻹنضباط ونذهب إلى الفوضى والتجاوزات ، العمل عندنا امنيات ، والمبادرة تهور ، والتغيير جريمة وخيانة للواقع المتوارث.
القانون عندنا يعطله من يكتبه ، والتشريع يعدله من يشرعه ، وحتى حكوماتنا لا تحتكم أحيانا لقوانينها،ونظمها،الخاص عندنا له سطوة على العام ، لا ننظر الي ما حولنا بعين البصيرة وإنما تخدعنا الصور الزائفة والمنظر فقط فلا نأبه للجوهر.
نحتاج إلي تغيير ينقلنا من ثقافة الوهم و التدجين إلي ثقافة الفكر واﻹبتكار والتدوين ، والسؤال الذي ينتظرنا لنجيب عليه بأمانة وصدق وتجرد هو لماذا نحن عطشى وتحاصرنا المياه ، وجوعي وسط الحقول ، وفقراء رغم أن العالم كله يعرف أننا نمشي فوق الكنوز ونجلس فوق تلة من اﻷموال المجمدة ، نغني للجمال ونشوهه بسلوكنا وطقوسنا ، نتحدث عن العدل ونمارس الظلم ، نعيش في الظلام رغم توفر كل ما يتيح لنا الوفرة في النور والطاقة (الشمس والماء والرياح والغاز والنفط)
السودان يحتاج إلي تغيير ثقافي جديد يلغي كل الثقافة المزيفة والعقائد واﻷعراف المحبطة ، نحتاج إلي ثورة حقيقية تقتلع ثقافة اﻹنتظار والتسول إلي عقيدة المبادرة والجرأة والتوكل علي الله واﻹعتماد علي العلم والعمل لا اﻹنتظار واﻹسترخاء واﻷمل. وليس مستحيلا أن يحدث التغيير إذا نشطنا في إحصاء السكان إحصاءات تصنيفيا للنوع والعمر والنشاط والمواهب ( علمية وفنية وغيرها ) وكذلك إحصاء الموارد الطبيعية الأرض ، الغابات والمياه) واحصاء الثروات الحيوانية النباتية والمعدنية و نسب اﻹستغلال ، ﻷن اهم عقبات التقدم بعد الثقافة السالبة والعقائد الفاسدة والطقوس المقيدة هو غياب المعلومات الدقيقة وسهولة الحصول او الوصول إليها وأعتمادها كقاعدة للعمل والبناء.
الثورة الحقيقة لم تحدث بعد في السودان ،ﻷن الثورة تبدا باعتمادنا إستراتيجية حقيقية للتغيير مع اﻹلتزام الصارم في تنفيذ ذلك التغيير ، ولن تتحقق الثورة إﻻ بتغيير قادتنا السياسيين والعسكريين لثقافتهم وسلوكهم وممارستهم للحكم ، وأستصحابهم للثورة التي تنشد العدل والسلم والعلم والتغيير الحقيقي و لايغير الله مابقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ، ولذا نحن بحاجة إلي أن يغيير البرهان وحمدوك وحميدتي وكل القادة العسكريين والحزبيين انفسهم ويستعيدوا وطنيتهم وحبهم للسودان لنبدأ التغيير الحقيقي ، وقديما قيل (الناس علي دين ملوكهم ) .