تزدحم الأجواء السودانية بالأسئلة العالقة في الهواء وفي الطرقات وعلي عيون المحاصرين بالضوائق والهموم والخوف من المستقبل المجهول لهذا الوطن المكلوم والمحزون بفعل أبنائه وتآمرهم ضد أنفسهم.
والأسئلة التي لا نجد لها إجابات مقنعة تثير الشكوك حول كل الأحداث التي يشهدها السودان وحالة التوهان والغموض الذي يكتنف تصرفات كل الجهات المتنافسة للسيطرة على حساب استقرار الوطن وراحة المواطن ومستقبل الشباب .
الصراحة والوضوح يفرضان علينا طرح هذه الأسئلة،
أولا :- لماذا تبدو هذه الثورة بوجهين متناقضين من أجل الوطن وضده؟ فهي جاءت لاقتلاع نظام فاسد فاقتلعته ولم تقتلعه بالكامل ، ثورة لإزالة الفساد والتمكين ولكنها أوقعت نفسها في ذات نهج التمكين وفساد إستخدام السلطة (غياب التقاضي أمام المحاكم ومواجهة الفاسدين بالادلة والوثائق وإنزال العقوبات المناسبة ) وكأنما الثورة قد نهضت ضد النظام السابق لتدخل في حبائل الشراكة مع لجنته الأمنية حينا وقبول تسلل شخصيات وأحزاب إنقاذية إلى كابينة قيادة الثورة ومسايرة موجة التغيير الثوري حينا آخر.
لماذا لم يسرع الشباب الثائر إلي تأسيس تنظيم والدفع بقيادات شبابية من بين صفوف الثوار ؟ ومن الذي منعهم من إتخاذ هذه الخطوة التي تحفظ الثورة من الاختطاف والسرقة؟
ماهي الجهات التي كتبت الوثيقة الدستورية (وثيقة الثغرات الإنقلابية ) ولماذا غابت الكفاءات القومية ذات الخبرات القانونية المشهودة عن المشاركة في صياغة تلك الوثيقة ؟وماهي الجهة التي تعمدت تغييب الشخصيات القومية المستقلة عن المشاركة في إعداد الوثيقة ؟؟ حتى لكأن الوثيقة لم تشتمل على نص يجعل من الطرف الذي يحاول تجاوزها خائنا .
ثانيا :- لماذا تبدو الفترة الإنتقالية وكأنها فترة زمنية لغياب هيبة الدولة وانحسار جهود الجهات الأمنية لتطل ظواهر غريبة وتنتشر جرائم القتل النهب والسلب والإغتصاب والتهريب وانتشار المخدرات وكثرة التفلتات الأمنية؟
فمن الذي أشاع بين الناس ان الدولة المدنية هي فوضي وانحلال وجرائم لا تحصي وغياب كامل للشرطة ودولة القانون والقضاء الصارم؟
لماذا تحول حلم الشعب السوداني ومطالب ثورته لتحقيق السلام والاتفاق مع الحركات المسلحة إلى خطر داهم يهدد الناس في بيوتهم داخل العاصمة فكأنما اتفاق جوبا مؤامرة سمحت بدخول جيوش الحركات المسلحة بما فيها الدعم السريع إلي داخل العاصمة الخرطوم لتتسع هواجس الخوف ويختفي الأمان في الشوارع والطرقات. ويتساءل الناس صراحة أين قواتنا المسلحة وجيشنا القومي ولماذا تتمدد الميليشيات المسلحة وتقوم بمهام القوات المسلحة؟
والأسئلة الحائرة كثيرة ومتواترة، إذ أن الوضع الاقتصادي الراهن يحدث عن إهمال غريب لقضايا معاش الناس ومتطلباتهم وخدماتهم الضرورية ، فالثورة التي اسرع رئيس وزرائها المستقيل حمدوك لمعالجة أسباب الحصار وخلق أجواء من التعاون مع المجتمع الدولي حتى وصل بالبلاد لمرحلة إعفاء الديون والترتيب لشراكات ضخمة وتبني منهج اقتصادي جديد يقوم على منع تصدير الثروات الخام والاتجاه لتصنيعها ومن ثم تصديرها
الأ أن كل ذلك تبخر تماما ، فذهب حمدوك مستقيلا بعد أن تم حصاره ومنعه من تنفيذ ما صرح به، لتتعرض ثروات السودان لفوضى التهريب والتسريب ويتعرض الاقتصاد للتخريب ، فمن الذي أبدل فكرة تصنيع الثروات ومن ثم تصنيعها بالتهريب والتصدير العشوائي؟ وسط صمت الأجهزة المسئولة من ضبط حركة التجارة وتدفقات الصادرات ،حتي اضطر الشعب للقيام بدور الأمن الاقتصادي والمباحث والأمن الاقتصادي والقوات المسلحة وحرس الحدود.
الذهب والمعادن النفيسة
تصاعدت معدلات صادراته لصالح جهات أخرى أعلى من معدلات صادر الدولة ، والمؤسف أن بعض الحركات المسلحة كادت ان تصبح هي الأغني عن طريق نشاطاتها التجارية المنافسة للدولة، حتى وصل الأمر إلي شراء تلك الجهات لشركات ومؤسسات قومية وشركات مهمة للغاية وبطريقة توحي بأن تلك الجهات تسعى وبسرعة للسيطرة الكاملة على البلاد وثرواتها واغراء قطاعات اجتماعية كثيرة وشرائها وضمها إلي مشروعها الخطير.
ويبقى السؤال الأهم وهو إلى أين يذهبون بالسودان ؟ ومن المسئول عن وضع الوطن مكشوفا أمام حركات التهريب والتدمير والتخريب ؟