لا أحد يفهم شيئا، السوان وطن الألغاز وبلاد الحيّرة، وأحداثه السياسية، وواقعه الإقتصادي، والإجتماعي كثيرا ما يتجاوز قراءة الخبراء، وتحليلات المتابعين من المختصين، وكأن السودان يدور فى فلك آخر بعيدا عن الكرة الأرضية.
ملاحظة واحدة تكفي وهى تؤكد أن بلادنا هى فعلا بلاد الغرائب والعجائب وربما تفوقت على الحكايات التي ظلت تحكيها شهرزاد على الملك شهريار فى حكايات الف ليلة وليلة الشهيرة. والملاحظة هى أن الشعب السوداني وعن بكرة أبيه فى حيرة من أمره لما يعانيه فى عهد السلام، السلام فى كل بلدان العالم يعني الإستقرار، وزيادة الإنتاج، وتقدم الإقتصاد، وتصاعد معدلات التنمية، وتحسن الخدمات، وظهور الرفاهية، ولكن الغريب أن السلام الذى أنجز في السودان كانت نتائجه عكس ما ذكرنا تماما، ، تردي فى الخدمات توقف شبه كامل لعجلة الإنتاج، تراجع اقتصادي ملحوظ و انتشار مخيف لموجات الفقر والمرض والإحباط.
والغريب حقا أن تكون نتيجة المقارنة بين أحوال الناس فى سنوات الحروب أفضل بكثير من أحوالهم الآن فى عهد السلام، والسؤال الذي لانستطيع الإجابة عليه بسهولة، أو بإستخدام الوسائل العلمية والتبريرات المنطقية هو :- كيف يكون فى السودان للحروب رخاء وللسلام معاناة؟ أو يأتي السؤال بطريقة أكثر وضوحا :- كيف تكون حياة السودانيين أفضل فى زمن الحرب، وسيئة للغاية فى زمن السلام؟
فى حضرة السلام الحالى ازدادت معدلات الإصابة بالأمراض النفسية، وازدهرت ظاهرة التسول، وارتفعت معدلات الطلاق وتفكك الأسر، وتصاعدت معدلات هجرة الشباب، والأسر وتفاقمت قضايا الديون، وتعطلت الكثير من المصانع وتوقف الإنتاج فى مواقع لم يتوقف إنتاجها إلا فى عهد هذا السلام الغريب.
ربما نجد إحتمالا واحدا لتبرير رخاء الحروب وعذاب ومعاناة السلام وهو أن للحروب تجارها وللسلام تجاره أيضا، وأننا الآن نواجه اتفاقا جديدا بين تجار الحرب وتجار السلام على حساب الوطن والمواطن.