الرئيسية » المقالات » وحي الفكرة[محجوب الخليفة]السودان..لعنة التمرد والإحتيال

وحي الفكرة[محجوب الخليفة]السودان..لعنة التمرد والإحتيال

الخليفة

 تقول الحكاية الشعبية إذا شاخ ملك الغابة تلاعبت به صغار الحيوانات وركبت فوق ظهره القرود وهي مطمئنة، وكذلك حال الدول التى تشيخ مؤسساتها القومية وتنهار نظمها الإدارية، وتتسلل الفوضى إلى مفاصلها ومن المؤسف جدا أن يكون السودان اليوم وبحاله الراهنة هو الدولة التى تستحق ذاك التوصيف.
وإذا كان الأديب العالمي  المرحوم الطيب صالح قد كتب منذ أكثر من ثلاثين عاما   ونيف وتحت عنوانه الراتب نحو أفق بعيد بمجلة المجلة اللندنية متسائلا بدهشة من أين أتى هؤلاء ؟ مستنكرا تسلل جماعة الشيخ حسن الترابي إلى مواقع القيادة وسيطرتهم على مفاصل الدولة، مما أثار الدهشة والتعجب، فإن مايحدث اليوم ينقلنا من تعجب الطيب صالح إلى الأعجب منه وهو كيف أصبح السودان وموارده في يد التمرد ولصالح حركاته؟
إذ أن مايسمى بإتفاقية جوبا للسلام قد مكنت بعض الحركات المتمردة من وضع يدها على أخطر المواقع وأهم وزارات الدولة، وتوظيفها لصالح الحركات الموقعة على سلام جوبا، والغريب المريب أن وزير المالية جبريل إبراهيم يعلن صراحة بأن الإلتزام بدفع استحقاقات سلام جوبا لا يمكن التراجع عنه، وأنه يدفع من أموال الشعب السوداني ووزارة ماليته، طالما أن المنح والقروض الدولية قد انقطعت عن دعم سلام السودان وتنفيذ إلتزاماته، على الرغم من أن اتفاقية جوبا ونصوصها الملزمة فرضت على الشعب السوداني فرضا.
لعنة التمرد والحركات المسلحة القديمة المتجددة هى التى تقف وراء معاناة الشعب السوداني منذ مؤتمر المائدة المستديرة في خمسينيات القرن العشرين ولأنها الثغرة الأولى التي تسللت عبرها دول أجنبية لتحشر انفها فى الشأن السوداني، مثلما يحدث الآن من إختراق واضح وعلني تمارسه تلك الدول عبر سفاراتها تتوسط وتفاوض و تضغط  وتقرر على نحو لايحدث إلا فى السودان، فسفراء الدول هنا مسموح لهم منافسة قيادة الدولة في القصر ومجلس الوزراء بل ولهم حق استدعاء بعض الساسة وقادة منظمات المجتمع المدني بل والأسر ومناقشة قضايا سودانية خالصة لاتسمح  بها الاعراف  الدبلوماسية في كل دول العالم
 وما كان ذلك أن يحدث لولا وهن الدولة واختطاف الحكومة من ِِقِبل من ينقصهم الكثير لتصريف شئون الوزارة، ولكأن الوزراء مهمتهم واحدة هي تنفيذ اتفاقية سلام جوبا ومنح الحركات لمسلحة صكوك الغفران ومن ثم إلإمتيازات بمافيها الإعفاءات الجمركية، مع السماح لدول أخرى بالتدخل في أدق تفاصيل الحياة بل والتأثير المباشر في تشكيل الواقع الماثل.
السؤال المهم جدا والمباشر هو لماذا ظلت الحركات المسلحة محتفظة بذات خصائصها وقواتها وسلاحها وكأن شيئا لم يكن؟، فالطبيعي أن تبادر بإنهاء وجودها المسلح والتحول إلى النشاط السياسي وتسليم أسلحتها وتسوية أوضاع منسوبيها لسبب واضح جدا وهو انتفاء أسباب التمرد وذهاب الحكومة التي بسببها ذهبت تلك الحركات إلى التمرد. حتي لا تتهم بأنها لم تتمرد من أجل من أجل وطنها ولصالح شعبها، وإنما إحتالت بالتمرد والسلام معا من أجل مصالح أخرى لاعلاقة لها بالوطن والمواطنين.