ما حدث خلال مخاطبة وزير الداخلية لقوات الشرطة والهتافات المناوئة له ، أمر غريب ومستغرب وسط الشرطة التي كانت دائما لا تزج بنفسها في معترك السياسة ودهاليزها، فهي قوة عسكرية نظامية مكلفة للقيام بمهام محددة،
وقوات الشرطة تختلف عن بقية القوات النظامية الأخرى لارتباطها بالمواطنين في إطار قيامها ببعض واجبات الشرطة بالإضافة إلى المحافظة على الأمن والنظام مع مساعدة القضاة وتقديم المساعدة أثناء الحوادث وهي كقوة مسلحة كذلك تقوم بالدفاع الوطني الشعبي عند حلول أي خطر شأنه شأن أي قوة عسكرية.
صحيح البلد تعيش ضائقة معيشية خانقة وكل فئات المجتمع تعاني من بينها قوات الشرطة ، ولكن هنالك فرق كبير بين المطالبة بالحقوق والفوضى، الفوضى كلمة معاكسة للتنظيم والترتيب. والفوضى في الحياة تعني عدم التمتع بحس النظام والقدرة على التغلب على مشكلات الحياة بصورة تجعل الحياة لا تطاق أحياناً‘ والفوضى مفهوم أو واقع يعاني منه كثير من الناس، سواء كانوا من الرجال أو النساء
ما حدث أمس اعتبره نوع من أنواع الفوضى، هناك من يقول نحن في دولة القانون والديمقراطية من حقنا أن نقول ما نراه مناسب دون أي محاسبة من أي جهة ، ولكن دولة القانون تعني أن تقتصر سلطة الدولة على مبدأ حماية المواطنين من الممارسة التعسفية للسلطة. في دولة القانون يتمتع المواطنون بالحريات المدنية قانونياً ويمكنهم استخدامها في المحاكم. و لا يمكن لبلد أن يكون به حرية ولا ديمقراطية بدون أن يكون به أولاً دولة قانون
لكن يوجد فرق كبير بين الديمقراطية الحقيقية والفوضى ، كما أن بين الحرية والفوضى مساحة ضيقة أيضًا، وهذا ما لا يدركه بعض الحالمين، ممن تستهويهم الشعارات الرنانة، لا يوجد أحد يعترض على الديمقراطية، إذا استكملت شروط تطبيقها. هذا، ولكن المطالبة بها يجب أن يكون نابعًا من رغبة حقيقية تستند على الوعي الشعبي والذي يعد شرط ضروري لممارسة الديمقراطية، إذ إن الحراك الديمقراطي دون وعي شعبي سيقود حتما لكارثة،
وكما أن الوعي الشعبي أمر حتمي لممارسة ديمقراطية حقيقية، ويجب أن يضعه المطالبين بحقوقهم نصب أعينهم وعليهم أن يفرقوا بين الحرية والفوضى، صحيح منسوبي قوات الشرطة السودانية يريدون تلبية حاجاتهم المتزايدة ويرون ضرورة الاستجابة الفورية لما يريدون، وصانع القرار وإن كان يأخذ في اعتباره هذه الحاجات والمطالب، فقد يكون محكوماً بالقدرات والإمكانات التي تحكم قراره.
ولذلك أتت القرارات بما لا يتوافق ورغبتهم، وهذا تسبب في ظاهرة الاحتجاجات التي قد تتحول إلى حركة غوغائية، بما يبعد هذه الاحتجاجات عن مسارها السلمي، وخاصة إذا جاءت مدعومة من تيارات سياسية هدفها إسقاط الحكومة الانتقالية تحت لافتة المطالب من قبل القوات النظامية، وهذا يكشف حجم التحديات والتهديدات التي تواجه الديمقراطية في السودان. فما حدث يعكس التناقض بين الحركات الاحتجاجية أو كما يسمونها ديمقراطية والمطالب المشروعة. من حق الجميع المطالبة بحقوقهم ولكن بطريقة منظمة وموضوعية ويجب إتباع الطرق السلمية في المطالبة عن الحقوق التي تؤدي إلى أخذها كاملة.
قلبي ينزف وقلمي من أجل الحالة الاقتصادية التي وصل إليها السودان!!!