وفاة الشاعر المرهف محمد طه القدال والناقد والقاص عيسى الحلو، جعلتني أصاب بالدهشة قبل وفاتهما لم يذكرهم الإعلام، بالرغم من أنهم ظلوا مرضى لفترة طويلة من الزمن، ولكن بمجرد إعلان وفاة كلا منهم تسابق الكتاب والصحفيين يذكرون مآثرهم، بل الحكومة من اعلى مستوياتها تسابقت لاستقبال الجثمانين والترحم عليهم.
صفة يمتاز بها الشعب السوداني الذين يحاربون الإبداع والمبدعين،ويحكم عليهم بالإعدام جوعا وحرمانا وتضييق ، وتتم الاشادة بهم بعد مماتهم لذلك نجد المثل يقول " إن شاء الله يوم شكرك ما يجي" لان شائع في المجتمع السوداني الناس لا تهتم بالشخص الا بعد مماته.
ظاهرة الاحتفاء بالمبدعين والعلماء والمفكرين الأموات هي ظاهرة قديمة حديثة، بالنسبة إلى الأمة السودانية، على اعتبار أنها أمة تمجد الأموات على حساب الأحياء، وتحب أن تعيش الماضي على الحاضر والمستقبل، فمن الطبيعي والمعمول به في الدول المتقدمة كافة أن التكريم للمبدعين يتم أثناء حياتهم الإبداعية، وكلّما أنجزوا أعمالًا مهمة ولافتة للنظر.
في السودان، يتذكرون المبدع في حال مرضه أو وفاته فقط، يكون التركيز على المديح لا على المنجز، وهي أشبه بكتيب دعائي لا يكاد يصدقه أحد، كما أن ضيق المناسبة أو مفاجأة الحدث تجعل كثيرًا مما يغطونه يكسلون عن فحص حقيقي وتقييم جاد لمنجز الراحل، ينقلون عن بعضهم ولا جديد.
صحيح التكريم من أساليب العرفان بالعمل المتقن تشجيعاً على التميز والعطاء والاعتراف بالفضل، وبذلك يكون التكريم في اعتقادي خلال تلك الرحلة المضنية وأفضله في سنوات العطاء قبل أن يجف النبع وقبل أن يبلغ المبدعون من الكبر عتيا أو يكونوا على مشارف الموت.
في اعتقادي أن تكريم المبدعين سواء أدباء أو شعراء أو علماء راحلين والاحتفاء بهم، فيما ظلوا بعيدين عن الأضواء والجوائز طيلة حياتهم حتى في فترات مرضهم لم يتذكرهم أيا إنسان ما فائدة التكريم بعد ذلك ؟! هل هو شعور بالذنب وتأنيب للضمير أم أننا قد اعتدنا تكريم الأموات وإنكار إنجازاتهم وهم على قيد الحياة.
قلمي ينزف من أجلك يا سودان…!!!