السودان ليس حديث عهد بالنزاعات بين القبائل، فقد ظلت موجودة منذ عهود بعيدة حيث كانت تتسبب فيها المظالم التاريخية وشح الموارد، والخلافات حول الأرض وبين الرعاة والمزارعين وغيرها من الأسباب، ولكن طبيعتها كانت محدودة وآثارها ليست كبيرة لأن السلاح المستخدم فيها لم يكن يتعدى السيف والسكين والعصي وبعض الأسلحة النارية البدائية، وقد كانت الإدارات الأهلية تتصدى لهذه الخلافات بمساعدة الحكومة بنجاح كبير يؤدي لتسويتها وفقا للأعراف السائدة.
عندما استولى النظام البائد على السلطة عبر الانقلاب العسكري في يونيو 1989، بدأ في تطبيق سياسة في غاية الخطورة تهدف إلى شق صف القبائل وتقسيم الإدارات الأهلية عبر استخدام المال وشراء الذمم، وقد ترافقت هذه السياسة مع اشتعال الحروب الأهلية في عدد من أقاليم السودان وما صاحبها من خطوات حكومية لصناعة المليشيات القبلية ومدها بالسلاح والأموال لخوض الحرب نيابة عن الدولة.
والفترة الأخيرة زادت الاشتباكات الأهلية في عدد من مناطق السودان الذي تعيش فيه أكثر من 400 إثنية. وراح ضحية تلك الصراعات أعداد كبيرة من المواطنين من القتلى والجرحى، وحرقت على إثرها قرى ومساكن ومتاجر، مما تسبب في خسائر كبيرة، وهو ما أثار سؤالا مهما حول ما إذا كانت تلك المشكلات ترتبط بأبعاد قبلية فعلا أم أن هنالك أصابع تحركها بدوافع سياسية؟!!!
منذ سقوط الطاغية السوداني الجنرال عمر البشير في شهر أبريل 2019 في أعقاب الثورة الشعبية العارمة، بدأ بعض الجهات السياسة في وضع العراقيل أمام الحكومة الانتقالية عبر استخدام العديد من الأساليب في مقدمتها الخنق الاقتصادي وافتعال الأزمات ونشر الشائعات، وعندما فشلت تلك الأمور بدأوا في تأجيج نيران الصراع القبلي في العديد من الولايات.
كما ساهم الانتشار الواسع للأسلحة الحديثة وخطاب الكراهية فضلا عن المشاكل البيئية في إذكاء النزاعات القبلية والعرقية بصورة غير مسبوقة مما أدى لإزهاق آلاف الأرواح وتدمير مصادر العيش وتمزيق النسيج الاجتماعي في العديد من الأقاليم.
ورثت الحكومة الانتقالية التي تم تنصيبها بعد الثورة دولة فاشلة في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وشرعت في إصلاح الأوضاع المتردية شيئا فشيئا ولكنها اصطدمت بالكثير من العوائق التي ظلت تصنعها قوى النظام السابق في سعيها الدؤوب لزعزعة الأوضاع حتى تقطع الطريق أمام نجاح الحكومة الانتقالية في أداء مهامها وتمهيد الطريق نحو الانتخابات العامة والحكم الديمقراطي المستدام.
لم يكن الاندلاع المتزامن للعنف ذو الطابع القبلي في ولايات جنوب وغرب وشمال دارفور وجنوب كردفان وكسلا والبحر الأحمر مجرد صدفة عارضة أو أحداث منفصلة لا يربط بينها رابط، حيث تشير دلائل عديدة إلى انغماس أذرع خفية في تأجيجها عبر التحريض والإغراء وبث الروح القبلية لتحقيق غايات العودة لكراسي الحكم.
وتطور الأمر الى التفجير هذا منحى خطير في الصراع، وما يدعو للقلق المآلات الخطيرة التي قد تنجم عن تلك الصراعات، المتضرر من هذا الوضع الشعب السوداني المغلوب على أمره، ماذا بعد التفجيرات؟ على حكومة الفترة الانتقالية والجهات الأمنية أن تسعى لوضع حد لهذه التصرفات التي من الممكن أن تقود البلاد الى ما لا يحمد عقباه.
يتوجب على الحكومة الانتقالية تحمل مسؤوليتها الكاملة والتعاطي بجدية أكبر مع هذا الأمر عبر السعي إلى مخاطبة جذور الأسباب التي تؤدي إلى النزاعات القبلية.
قلمي ينزف من أجلك يا سودان…!!!!