مما لا شك فيه أن مدينة الخرطوم كانت من أرقى مدن العالم من حيث النظافة والجمال، كانت قبلة للجميع. حيث كانت توجد بها أفضل التصاميم المعمارية، السودانيين هم من علم الأخرين معاني الرقي والحضارة، وذلك ما جعل الشيخ زايد يطلب من السودان كمال حمزة بأن يجعل من مدينة دبي مثل الخرطوم في نظافتها وتخطيط شوارعها.
تغير الحال وتبدل منذ فترة طويلة ومعظم ولايات السودان ترزح وتئن تحت وطأة الأكياس البلاستيكية الممزقة وبقايا الطعام والورق والقوارير البلاستيكية وأشياء أخرى ملطخة بالطين والأوساخ في الشوارع. وتختلط برك مياه الأمطار مع فضلات الذباب والبعوض والحشرات الأخرى. وتجتاح الروائح الكريهة والمشاهد غير السارة كل حي أثناء موسم الأمطار.
إن نظام الصرف سيء بما فيه الكفاية، وقد أسفرت مشكلة النفايات في عن كارثة مناخية وصحية. ولكن نجد أن ولاية الخرطوم تفوقت عليهم جميعا، لأنه يوجد بها كميات كبيرة من النفايات في كل شارع، وكل زقاق، وتحت أي عمود كهرباء. والأتربة في أرصفة كل الشوارع.
الخرطوم تعيش في مستنقع قذر وغرقت تماماً تحت الأوساخ والنفايات والأتربة.
يولد السودان قرابة 24,000 طن من النفايات يوميًا، ومعدل المعالجة هو 18% فقط. أما الباقي فيترك ليذوب، مما يشكل بيئة مناسبة للعديد من الحشرات بالإضافة إلى وصوله إلى المياه الجوفية وتلويثها. أن معظم مصادر المياه الجوفية في المنطقة غير صالحة للاستخدام.
وهنالك أسباب أخرى لهذه المشكلة منها سلوك المواطنين، بجانب مكبات النفايات التي تقع قرب المناطق السكنية، ويزيد المشردون والباحثون في أكوام القمامة والنفايات الطبية بهدف إعادة التدوير غير القانوني، ويؤدي إلقاء النفايات وخاصة الصناعية السائلة في مصادر المياه، كنهر النيل، إلى تسربها إلى المياه الجوفية، مما يشكل خطرًا على الصحة العامة.
نسمع أحيانا دعوات من وقت لآخر في عدد من أحياء الخرطوم لتنظيم حملة لنظافة الطرق تحت شعارات مختلفة وفي نفس يرجع الحال إلى ما كان عليه وكأنك يا “أبوزيد” ما غزيت.
أشيد بمثل هذه الحملات لأنها تعتبر مساحة لزيادة الصلات الاجتماعية وبناء الثقة بين المواطنين في الأحياء، كما تسهم في مناقشة مشاكل الحي والمنطقة وكيفية السبل الكفيلة بمعالجة كل مشاكلها.
أربعة مجالات تركيز لمعالجة مشكلة النفايات: الحد من المواد البلاستيكية، وإعادة التدوير باستخدام المواد العضوية فيها وتكريس بحوث لأفضل الممارسات، وإعادة استخدام القوارير والمواد، ورفض استخدام المواد الخطرة واستبدالها بمواد ملائمة للبيئة.
ولكن الحل الأمثل يجب أن تتناول مناهجنا التعليمية هذه القضايا الأساسية. وكان ينبغي إدراج هذه الثقافة والتوعية في تعليمنا. وأنا أحمل الحكومة مسؤولية أي إهمال ربما أظهره الناس لأنها لم ترفع وعيهم أو تبني قدراتهم في مجال إدارة النفايات وحماية البيئة”.
ويجب أن نستفيد من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال فمثلا يفاجئ غالبية من يزورون بعض الدول سواء كانت عربية أجنبية بمستوى النظافة التي تسودها. ولكن في بعض الدول الآسيوية تزداد دهشتك عدم وجود صناديق للقمامة أو منظفين في الشوارع مثل اليابان، وهو ما يثير سؤالا مفاده: كيف يمكن أن تبقى اليابان إذاً على هذه الحالة من النظافة الشديدة؟
الإجابة البسيطة تتمثل في أن ذلك يُعزى لمواطنيها أنفسهم، الذين يُبقون وطنهم نظيفا بهذا القدر. من بين هؤلاء، يشكل الوقت المخصص للتنظيف بالنسبة للتلميذ جزءا من جدوله اليومي لمدة 12 عاما، أي من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية. أما في الحياة المنزلية، يتولى الوالدان تعليم أبنائهم أنه لا يمكنهم الإهمال في الحفاظ على نظافة أشيائهم والمكان الذي يوجدون فيه.