الرئيسية » المقالات » مهد الحروف[د. هيثم حسن عبدالسلام] الحرب ..وسلوكيات المستهلك

مهد الحروف[د. هيثم حسن عبدالسلام] الحرب ..وسلوكيات المستهلك  

هيثم عبدالسلام4

فرضت الحرب اللعينة واقعًا مريرًا جدًا على المستهلك السوداني ، فبعد التشريد والنزوح وفقدان الأمان وضياع الاستقرار ، وخسران المال والأنفس وشتات الأهل والأولاد والجيران ، بات المستهلك جريحًا يهوى نحو هاوية سحيقة تتلاطمه أمواج عاتية من الجشع تأكل ما تبقى منه ومن مدخراته .
وقد أدت الحرب لتغييرات جذرية في سلوكيات المستهلك وبدأت تظهر أنماط غذائية جديدة أو قل (من حقيبة الغذاء السوداني) فبعد أن كانت تسيطر على موائدنا الأطعمة المعدة خارج المنزل وسادت اللحوم المصنعة والوجبات السريعة وثقافة الساندويتش وزجاجة المشروب الغازي، ها هي موائدنا تعود إليها الأطعمة والمشروبات البيتية وأنواع (الكسره ) و(القراصة) وغيرهما .في عودة حميدة لكل ما هو طبيعي.
وبات المستهلك قانعًا مقتنعًا بما يقدم له دون تزمر أو (حردان) ، وزاد المستهلك قناعة بأن هناك العديد من البدائل الغذائية من واقع ما هو متوافر لديه ، وألهمه الله ثباتًا ويقينًا بأن الترشيد القسري في كل شيءٍ خلال فترة الحرب هو سر النجاة .
حتى المستهلك الصغير أصبح مدركًا أن ما يقدم اليه الان من وجبات هي الخيار المتاح فلا تسمع منهم اشتهاءا وتطلعات باتت في حكم المستحيل .
ولعل المطلوب الآن من مقدمي الخدمات والسلع الغذائية مراعاة ذلك الواقع الجديد ، فما عادت الأغلفة الملونة ولا العرض ولا المكان تثير حماسة المستهلك للشراء بقدر (كم سعرها) وكم يكفي من أفراد الاسرة ؟وهل ستصمد في ظل انعدام الكهرباء وصعوبة التخزين ؟!
ويجب عليهم التقدير الأخلاقي والديني لحال المستهلك في عدم الغش والخداع والتلاعب في الأوزان وبيع السلع المخالفة ومنتهية الصلاحية خصوصًا بعد عودة ظاهرة ( قدر ظروفك) وعدم التغالي في الأسعار حتى لا يكونوا مطرقة عذاب أخرى تدق في رأس المستهلك الموجوع.
كما أن على الموردين الان استجلاب السلع الغذائية ملتزمين بمواصفاتها القياسية ، فالشاهد من واقع ما هو معروض في الأسواق ظهور منتجات من دول الجوار لأول مره يراها المستهلك السوداني ولكنه يقبل عليها لعدم توفر المنتجات السودانية أو المعروفة لديه من دول تتصدر قائمة الواردات قبل الحرب. وعلى المصنعين الوطنيين التفكير في نقل بعض من خطوط الإنتاج للولايات تفاديًا لمخاطر المستقبل.
هي تحديات تلقي بظلالها على حال المستهلك وتتطلب من مؤسسات الدولة المعنية بالرقابة على الواردات والأسواق والتي للآسف توارى معظمها في وقت برزت هيئة الجمارك السودانية تقوم بواجباتها دون توقف وتعمل بكفاءة جنبًا الى جنب في تناغم وتنسيق تأمين مع الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس التي قدمت أنموذجا وطنيًا في حرصها على سلامة وصحة المستهلك من خلال فروعها العاملة بالولايات لتقف صدا منيعًا وحصنا أمينًا في الرقابة على الواردات الغذائية ومناهضة الظواهر السالبة عبر فنييها ومشاركة لجان شؤون المستهلك في بعض الولايات
فقد أكدت الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس أنها بحق قلعة حماية المستهلك والاقتصاد الوطني.
وكما أن هذا هو الواقع بات في حكم الضرورة التفكير والاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب لتغيير واقع المستهلك السوداني نحو الأفضل بالتطبيق الصارم للتشريعات والقوانين التي تنظم عملية حماية المستهلك لتكون ملزمة في كل الأحوال وتصبح سلوكًا محترما بين أطراف العملية التجارية.
وأن تقوم مؤسسات الدولة بما هو منوط بها في توفير البيئة الصالحة والرقابة المستمرة والتحسين والتطوير والتنسيق المحكم فيما بينها .
ويقابل ذلك من المستهلكين وعيًا وإدراكًا بحقوقهم وواجباتهم
إذن فالحرب اللعينة أفرزت عددًا من السلوكيات الجديدة للمستهلك السوداني منها السلبي والإيجابي فقط دعونا نتفائل بعد وواقع أفضل نمضي فيه بكل السلوكيات الإيجابية ونبتعد عن كل ما هو دون ذلك فالمستهلك دليل نفسه وموجهها والخبير بحاجاته.
ولنستعد جميعًا لبناء سودان ما بعد الحرب فرحا بالنصر القريب بإذن الله.   

 mismawia@yahoo.com