أعتقد أن الحدث الأبرز في الساحة السودانية هو القرار الذي صدر من الفريق عبدالفتاح برهان للقوات المشتركة التي تحرس الأصول والعقارات المستردة بالانسحاب واخلائها فوراً، كذلك سحب قوة الحراسة من عضو المجلس السيادي والرئيس المناوب للجنة التفكيك،.
الأمر الذي اُعتبر إعلان شبه رسمي من قبل الفريق برهان بفض الشراكة بين الطرفين، والوصول بالخلافات إلى أوجها بتعمّد واضح، وهو يعلم علم اليقين أنه يدخل بالبلاد مرحلة جديدة من التأزم يصعب معها معالجة إفرازاتها السياسية والأمنية.
بفضل الله تعالى أن جماهير الشعب السوداني واعية ومدركة جدا لكل محاولات الانقلاب على الوثيقة الدستورية ومن ثم الرجوع بالبلاد إلى المربع الأول، وجماهير شعبنا بفطنتها ووعيها تدرك جيدا الفاعل الحقيقي لأزمة الشرق وتداعياتها والهدف منها، كما تدرك أيضا المخطط بالكامل الذي يهدف في الأساس إلى إفشال الفترة الانتقالية لارجاع النظام السابق للحُكم لكن بطريقة يفهمها حتى الأطفال الصغار.
إنّ اللقاء الجماهيري العفوي التي حدث مساء اليوم الأحد بمقر لجنة إزالة التفكيك والتحام الثوار مع قيادة اللجنة، يؤشر بشكل واضح جدا أن جماهير الثورة متقدمة جدا في فكرها وفي إصرارها على الثبات في وجه كل من تحدثه نفسه إرجاع الساعة للوراء، وإن الهتافات القوية والداوية (جيش واحد شعب واحد) تُعبّر عن تقدير وإجلال واحترام شعبنا لقواته المسلحة الأبية، شعبنا يعرف جيدا مكان معركته واحداثياتها وشخوصها.
إن حديث عبدالفتاح البرهان الذي أشعل غضب الشارع في 22 سبتمبر الجاري قد ظهرت في ملامح وجهه وحركة أصابع يديه وعباراته كمية الحقد والكراهية تجاه المكون المدني كان ذلك واضحا للعيان، هذا الحديث ومن بعده الخطوات التي قام بها البرهان من سحب حراسة 22 موقعا للجنة تمثل دعما معنويا كبيرا لانصار السابق.
وهو الأول من نوعه جعلهم يتحركون بالاتصالات بين تركيا والخرطوم، والتصريحات لبعض الوسائل الإعلامية التابعة لفكرهم الضال، لكن جميعا نعرف بأن فترة استلام المدنيين للسُلطة بالكامل حسب ما تم الاتفاق عليه قد دنا أوانه، لذلك يتوقع منهم الكثير حتى أني لا استبعد تصفيات جسدية لبعض الفاعلين في المشهد السياسي، لأن أعداء الشعب بدأوا يشعرون بأن القيادات الشابة الجديدة في السودان بدأت تخلق علاقة متميزة مع الجماهير الوفية، علاقة تقوم على الاحترام الحقيقي المتبادل.
إن الأعداء قد شعروا بل عايشوا وسمعوا خطابات عضو السيادي رئيس لجنة إزالة التمكين المناوب الأستاذ محمد الفكي سليمان، ورفيقه الأستاذ وجدي صالح خطابات نابعة من تربيتهم السودانية الأصيلة، وعن أدب واحترام ومصداقية وواقعية وصدق في الحديث وشجاعة في الاعتراف بالخطأ إذا وجد.
كلي ثقة بأنهم قارنوا تلقائيا بين خطابات العهد الجديد وخطاباتهم أيام غيبوبتهم من شاكلة "ألحسوا كوعكم" و"الزارعنا غير الله يجي يقلعنا"، ووعندما خرجت الجماهير تعبر عن غضبها إزاء الأزمات المتلاحقة التي يعانون منها وصفوهم بـ"شذاذ الآفاق"، من الذي ينسى الإساءات والعبارات التي تشير إلى مستوى تربيتهم وأخلاقهم وفكرهم؟!.
ومن هنا أوجه رسالتي إلى رئيس الحكومة الانتقالية المحترم د.عبدالله حمدوك بأن يعي مسؤولياته في هذا الوقت العصيب، بأن يكون له رد فعل قوي وحاسم حيال من يعملون الآن بشكل جلي في عرقلة الحياة بالسودان، خاصة وأنه كرئيس للحكومة الانتقالية قد حصل على دعم قوي جدا من المجتمع الدولي والإقليمي والعربي، .
فليس من الحِكمة السكوت إزاء هذه المؤامرات وقد ذاق شعبنا من المعاناة ما لا يتحمله بشر، وجاء الوقت الذي تنتهي فيه، ويعمل شعبنا على بناء مستقبله بعيدا عن المخاوف والعراقيل.