لنتأمل شعار (لا للحرب) الذي ترفعه بعض القوى السياسية في بلادنا كي تتخذ منه ذريعةً لتجنب الجهر بحقيقة موقفها من الأحداث الحالية، ونسألهم: هل هناك عاقل منحه المولى عز وجل ذرةً واحدةً من رشدٍ وفطنةٍ يمكن أن يقول نعم للحرب؟
لا للحرب في كل وقت، والبديهيات لا تُقال، لأن غالب الحروب يشعلها معتوهون ويدفع ثمنها الأبرياء.. والحرب التي يتحدثون عنها ويجاهرون برفضها اندلعت فعلياً بأمر من غدر برفاقه، وحشد جنوده وجيّش جيوشه، وبثها في كل أرجاء العاصمة والولايات، ثم هاجم القيادة العامة والمطارات واحتل القصر الجمهوري وكل مرافق الدولة، بانقلابٍ عسكريٍ خطط له بمنتهى المكر والخِسّة، ساعياً إلى الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح.
أصبحت الحرب بأمره واقعاً لا مجال لتلافيه، فخبرونا بموقفكم منه ومنها.. لا تقولوا لنا لا للحرب، فنحن وكل محبٍ مخلصٍ لوطنه وكارهٍ لويلاتها ضد الحرب بالفطرة السليمة، لأنها تعني الخراب والدماء والدمار والموت الزؤام.. وتعني قتل وتشريد المدنيين العزل وتجويعهم وتعذيبهم وإفقادهم نعمة الأمن والطمأنينة.
قولوا كلمة باطلكم هذي لمجنونكم الذي أشعل نيران الحرب وأذاق بها أهل السودان مُر العذاب.. قولوها له لو كنتم تستطيعون!!
أما حديث المرجفين عن قصف الجيش السوداني للمدنيين والأحياء السكنية بالطيران في معرض استنكارهم للحرب الحالية، ومحاولتهم لمساواة المتمرد الغدار بالجيش فيمثل كلمة باطل يُراد بها عين الباطل، فإذا استثنينا حادثة الكلاكلة المؤسفة نجد أن الجيش لم يرتكب أخطاءً مؤثرةً، ولم يصب المدنيين بسوء حتى عندما اضطر إلى قصف بعض أوكار التآمر التابعة للمتمردين، (ولكل حرب ضحايا)، فكم يبلغ هامش أخطاء الجيش (بالنسبة المئوية) من مجموع كل الطلعات التي نفذها طيران الجيش حتى اللحظة؟
حتى مسئولية ذلك الخطأ المؤسف تقع في الأساس على من اتخذ من المواطنين دروعاً بشرية يحتمي بها.. وينشر قواته وأسلحته وعملاءه وجواسيسه في الأحياء السكنية، بفعلٍ بالغ الخسّة والجُبن والدناءة.. وبالمقابل أحسبوا لنا عدد الانتهاكات التي ارتكبها متمردو الدعم السريع ضد المدنيين حتى اللحظة.. لو استطعتم!
أشعل نيران الحرب صمتم.. غدر برفاقه واعتقلهم وأسر نساءهم وأطفالهم واستولى على كل مرافق الدولة طأطأتم.. احتل المستشفيات وأخلاها من مرضاها واعتقل أطقمها وقتل بعضهم وأردت قواته بعض سائقي سيارات الإسعاف فما نطقتم.. غزا الأحياء السكنية واحتل المنازل وطرد أهلها منها ونهبها جنوده واستباحوا حرماتها وأذلوا الحرائر وروعوا الأطفال وشردوهم تواريتم، نهبوا البنوك والأسواق ومتاجر الأحياء وهاجموا السجون وأطلقوا الآلاف من معتادي الإجرام ليستبيحوا الخرطوم ليل نهار فما أدنتم.. وها أنتم تريدون مساواة من أتى كل تلك الموبقات والكبائر بالجيش.. بئس ما فعلتم!
من يرددون شعار لا للحرب ويرفضون إدانة المتمرد الذي من نزع فتيلها وأشعل نارها لم يترددوا في إدانة قوات هيئة العمليات ووصفها بالتمرد، لمجرد أن بضعة أفراد منها (ترّسوا) بضعة شوارع في الخرطوم وكافوري وأطلقوا بضعة أعيرةٍ ناريةٍ في الهواء، فلماذا يرفضون إدانة من تمرد وأشعل أسوأ وأعنف حرب في تاريخ السودان الحديث؟ خبرونا ما السبب؟
من يريد أن يعرف أخلاق ومهنية وحرص الجيش السوداني على سلامة أهله ومواطنيه عليه أن يرى أداءه مقارنةً بما فعله الجيش السوري.. ليعرف الفرق.
أي مدينة دخلتها فصائل المعارضة السورية تم قصفها بالبراميل المتفجرة والصواريخ من الجو، أي حي احتمى به المعارضون تم دكه بالمدفعية الثقيلة ومساواته بالأرض، وكانت المحصلة موت مئات الآلاف من المدنيين العزل، وتدمير أحياء كاملة ومدن بحالها.. والشيء نفسه فعله الجيش الأمريكي في العراق، عندما دمر مدناً وأحياءً كاملة (الفلوجة مثالاً)، وقتل مئات الآلاف وأحال العراق إلى رماد.
كان بمقدور الجيش السوداني أن يفعل المثل ليقضي على التمرد في بضع ساعات، لكنه لم ولن يفعل لأنه يقاتل بأخلاق الفرسان، ولأنه جيش مهني يمتلك عقيدة قتالية سليمة، تجعله يتقيد بقواعد الاشتباك التي تلزمه بالابتعاد عن المناطق السكنية والمنشآت المدنية، مثل المستشفيات ومراكز الخدمات العامة والمدارس ودُور العبادة، وتفرض عليه عدم اتخاذ المدنيين دروعاً بشرية، ومنح الأولوية لتأمينهم في أي معركة.
نشر المواطنون خلال الأيام الماضية آلاف الفيديوهات التي وثقت جرائم وسرقات وتجاوزات متمردي الدعم السريع من نهبٍ للمتاجر والبنوك والأسواق والسيارات، وإخلاءٍ للسجون من عتاة مجرميها، واقتحام للمنازل والمنشآت العامة ونهبها، ونتحدى أي مراقب أو محلل مساند للتمرد (ظاهراً كان أو مستتراً) أن ينشر لنا مقطع فيديو واحد.. واحد فقط يظهر فيه أي جندي من الجيش السوداني وهو ينهب أو يسرق أو يعتدي على المدنيين أو يقتحم بيتاً ليروّع أهله.
نتحداهم أن ينشروا صورةً واحدةً أو مقطع فيديو واحد لأي جندي من الجيش يخلع فيه الكاكي، كي يولي الأدبار، مثلما فعل الآلاف من متمردي الدعم الصريع.
نتحداهم ونعلم يقيناً أنهم لن يفعلوا لأن جند السودان لا يغدرون ولا يسرقون ولا ينهبون ولا يروعون المدنيين ولا يولون الأدبار في المعارك مهما حكي وطيسها، ويعتبرون الشهادة في سبيل الوطن شرفاً لا يدانيه شرف.
لو كانت لهذه الحرب المُوجعة فائدةً واحدةً لأهل السودان فتنحصر في أنها أوضحت لهم الفارق المهول بين الجيش الوطني المهني المنضبط، والمليشيات المجرمة المتفلتة.
لا مجال لدفن الرؤوس في الرمال، ولا يصح الصمت في زمن الكلام، لذلك نقول بالصوت العالي: أي سياسيٍ أو إعلاميٍ أو ناشطٍ أو مواطن عادي يساوي الجيش السوداني الباسل بمتمردي الدعم السريع في خضم هذه الأحداث الموجعة ويضعهما على قدم المساواة إما عميل وخائن لوطنه، أو منافق مُغرض، أو جاهل وضال ومفارق للحق.. ولا يستحق سوى الازدراء.