يشتكي كل المراجعين للوزارات والمكاتب الحكومية هذه الأيام من تدني مريع في أداء الخدمة المدنية، وحالات تسيب وغياب في مرافق هامة جداً في العاصمة والولايات.
خلال الفترة الماضية أعملت لجنة إزالة التمكين (المجمدة) سيف الاقالة البتار في الخدمة المدنية، دون معايير مهنية أو عدلية، فتسببت في فقدان الخدمة المدنية في السودان لكوادر مؤهلة ومدربة، صرفت عليها حكومة السودان مبالغ طائلة لتدريبها داخليا وخارجيا. وأتت بكوادر حزبية طال عليها الأمد، وانقطعت عن ممارسة المهنة سنين عددا فزاد الأمر ضغثاً على أبالة.
ازاد الأمر سوءً كذلك بارتفاع نسبة التضخم في الاقتصاد، فأصبحت المرتبات لا تفي بالحد الأدنى المطلوب للمعيشة، فتسربت أعداد مقدرة من العاملين ذوي الكفاءة لدول الخليج، حيث المرتبات مجزية، واتجه البعض الآخر للعمل الحر، ففقدته الخدمة المدنية، وبالمقابل وبسبب سوء الحال الاقتصادية ازدادت حالات الارتشاء والفساد.
إصلاح الخدمة المدنية والجهاز الإداري له أهمية بالغة، ذلك لأن أي قرارات سياسية، أو إدارية، مهما كانت جودتها، لا يمكنها أحداث التغيير المطلوب دون جهاز إداري فعال يترجمها على أرض الواقع، بحيث يحسها الناس ويتفاعلون معها.
إصلاح الخدمة المدنية والجهاز الإداري يقوم على ركيزتين، الأولى هي العنصر البشري، والثانية هي العنصر التقني. بالنسبة للركيزة الأولى؛ من الضروري أن يتم الحرص على اختيار كوادر ذات كفاءة عالية، وذات قوة وجرأة، لمناصب الوزراء التكنوقراط في حكومة الفترة الانتقالية القادمة، كذلك على مستوى الوكلاء والوظائف القيادية الأخرى في الوزارات والهيئات والمؤسسات، بالمركز والولايات. وأن يجزل لهم في العطاء المادي تحصيناً لهم من الفساد.
أما الركيزة الثانية لإصلاح الخدمة المدنية فهي المتعلقة بالعنصر التقني، لقد مضى زمن التوقيعات المتعددة على الخطابات صعودا ونزولا، وزمن المذكرات التي تنحت حسب رؤية الإداري أو الموظف. لقد أضحت القرارات والإجراءات الإدارية تتم من خلال نظام محوسب، هو نظام إدارة الموارد الحكومية Government Resources Planning
في هذا النظام الذكي تخزن مسبقا كل القوانين واللوائح المنظمة للعمل، وترصد الموارد المالية اللازمة للتنفيذ حسب قانون الموازنة، وتنسق العمليات والدفعيات على مدار العام، ليبقى الاجتهاد الخاص في حدود ضيقة جدا، وعند الطوارئ فحسب.
لقد أنجز مركز النيل للأبحاث التقنية، وهو مركز وطني متطور، نسخة سودانية من هذا النظام، ينبغي أن تطبق في اداراتنا الحكومية لزيادة كفاءة الأداء ومحاربة الفساد.
دولة الامارات العربية المتحدة أعلنت قبل أيام عن إلغاء ختم الإقامة على الجواز، والاكتفاء ببطاقة الهوية، ذلك لأن بطاقة الهوية فيها شريحة الكترونية تحوي كل بيانات حاملها، وبالتالي لا يحتاج المواطن والمقيم في تلك الدولة سوى لبطاقتين الأولى لتحقيق الشخصية والثانية للمدفوعات المالية. وحتى الأخيرة يمكنه الاستغناء عنها بتطبيق على الموبايل.
نأمل أن تتم الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في مجال حوسبة المعاملات الحكومية لنتمكن من ترقية أداء الخدمة المدنية بسرعة وكفاءة. والله الموفق.