اشتد أمد الحرب وطال مخلفا مئات القتلى والجثث تنتظر من يسترها ويسارع بدفنها .جرحى ومفقودين ومذعورين من أصوات الدانات وأزيز الطائرات الحربية المقاتلة والتفجيرات وصوت الرصاص الحى داخل المدن .تناثرت الجثث بين الطرقات وعلى الشوارع التى امتلأت قبل أعوام مضت بالثوار وشعب بلادي الصامد تطالب بالتغيير .نعم تطالب بإسقاط النظام .تطالب بالمدنية فى أبهى صورها . اسفى على ببلدي .أسفى على وطني الجريح.
يزداد حزني كل يوم .ينفطر القلب من شدة الألم حينما أرى أهلي واقاربي وأصدقائي وجيراني وكثير ممن تربطنا بهم علائق المودة والاحترام يحزمون حقائبهم وكل ما خف وزنه من ممتلكاتهم والتي انحصرت وتقلصت فقط فى قليل من الملابس والأدوية وبعض متطلبات الأطفال وكبار السن.
الحرب اللعينة شردت وطردت كثير من الأسر من ديارهم التى ألفوها وإرتبطوا بها ليتجهوا صوب الريف نحو الأهل والعشيرة والقبيلة والجذور الممتدة لتفتح لهم الأبواب على مصراعيها .
إستقبل الريف السودانى بكل سماحة وبساطة إنسانه كل جموع مواطنى الخرطوم الذين هربوا من جحيم الحرب المجنونة. نعم مجنونة فهى لاتميز بين رضيع خرج للدنيا الواسعة يحلم بوطن آمن مستقر. لاتميز بين كهل تجاوز السبعين من عمره ويزيد يحلم بخواتيم عمره تحفها تلاوة وسماع القرآن الكريم وآخرون يتمنون تمام الصحة والعافية لجسد أنهكه المرض .
حرب مجنونة لأنها جعلت إنسان المدن ينزح للريف عله يجد الملاذ الآمن على عكس ماكان حيث تهرب جماعات وأفراد من الصراعات والنزاعات القبلية والحروب الأهلية التى إنطلقت شرارتها فى بعض أرياف السودان نحو المدن ظنآ منها بأنها قد تكون إحدى الملاذات الآمنة ونحن نقلها بالصوت العالى فاقد الشئ لايعطيه. ماعادت المدينة آمنة ولا جاذبة .
لن تتجه أنظار إنسان الريف بعد اليوم صوب العاصمة وكبرى المدن بحثآ عن التعليم والوظيفة والحياة الأفضل. أصبحت المدينة طاردة ، فقد هرب منها الكثيرون خوفآ من نيران الحرب المجنونة.
دعوتنا لكل من ترك مدينته بعدما اصابه الذعر من سماع ازيز الطائرات الحربية المقاتلة وصوت الدانات والرصاص الحى ان يجعل من هروبه هذا فرصة للتأمل فى جمال وبساطة الريف الذى فتح أبوابه دون سابق ميعاد ليتفاجا بينة ليلة وضحاها بآلاف الأسر تهرب نحوه علها تجد الأمن والأمان.
دعوتنا ان نخلق من هذه الأزمات فرص للنظر للريف نظرة إيجابية حرمتنا منها حياة كبرى المدن وزخرفها الزائل.
لن تعود المدن كما كانت بالأمس فقد صارت أشباه مدن .حجم الدمار كبير والحرب قد يطول أمدها لا ندري متى تنتهى طالما هناك تعنت من طرفى الصراع العسكرى..العسكرى.
لم ولن يكن الهروب نحو الريف او خارج الوطن هو الحل. ولن تكن حرب الخرطوم هى الأولى ولا الأخيرة. فقد سبقتها حروب داخلية قتلت الولد ودمرت البلد واليوم يتكرر المشهد ،فقط علينا ان نعى الدرس جيدآ . ونسأل من المستفيد من هكذا صراعات بين أبناء الوطن الواحد .
دعوتنا أن نحكم صوت العقل فينا حتى لا نفقد خيرة شباب البلد ..كل من شارك فى الحرب هم الشباب قادة المستقبل .
نفتقد حكمة العقلاء في بلادي ..مشاكل السودان شأن داخلي وحلها يكون من داخل البيت السوداني .ليت قومي يعلمون. دعوتنا لطرفي الصراع ان يسكتوا صوت البندقية ليعلو صوت الحق صوت المواطن الصامت الصامد وصوت الشباب الذى أنهكت جسده (لا أقل كل الشباب) المخدرات كواحدة من القضايا التي تواجه دولة (المؤسسات التي نبحث عنها) الهم كبير .دعونا نجعل الوطن فى حدقات العيون حتى نعبر به إلى بر الأمان .