نختلف نتفق نتشاكس نتصارع هكذا بنو البشر في كل الدنيا .لكن نقتل ندمر نسرق ننهب نغتصب فهذا لا يشبه إنسان السودان .لم تكن الحرب بدعة كثير من الدول سبقتنا في خوض المعارك والصراعات الداخلية والحروب الأهلية .
طال أمد الحرب وأشتد اوارها وخلفت عشرات آلاف القتلى والجرحى المصابين والمفقودين والمعتقلين والمأسورين وغيرهم مما لا ندري مصيرهم.
تعالت الأصوات هنا وهناك لإيقاف صوت البنادق والمدافع والقصف الجوي المتواصل وكانت عبارة لا للحرب نعم للسلم هى السائدة فى مجالس الخائفين الهاربين من جحيم الحرب .كان الريف هو الملاذ الآمن لكل من ترك داره و ماله وكل غالى وثمين لينجو وأسرته من قذائف طائشة لم تميز بين الصغير والكبير فالكل اخذ نصيبه من هذه الحرب اللعينة.
فتحت معظم الولايات التي تجاور الخرطوم من الشمال والجنوب والشرق بواباتها لأبنائها وكل من قصدها ( هكذا إنسان الريف سماحة وكرم وأخلاق وطيبة ومحنة) .آلاف الأسر تركت الديار ولا تدرى ما يواجهها من مصير مجهول ومستقبل قاتم ورؤية ضبابية لحرب لا يدرى احد متى تنتهى.
امتلأت البيوت في الريف السوداني وهى تستقبل الوافدين إليها ( هكذا يطلقون عليهم في الريف) وحتى المدارس فتحت أبوابها للتلاميذ الممتحنين فى المرحلة الابتدائية حتى لا تفوتهم فرص الجلوس للامتحانات.
يظل الريف السوداني قبلة للوافدين وسند للمحتاجين وملاذ للخائفين .نعتبر هذه الحرب اللعينة والعبثية مدرسة تعلمنا منها الكثير (رغم الدمار الذى أصاب مؤسسات العالي في مقتل) فكان الدمار الشامل لكثير من هذه المؤسسات ما يؤثر سلبا في العملية التعليمية بالبلاد .
تعلمنا في مدرسة الحرب اللعينة هذه أهمية الريف السوداني والدور الحيوي الذى يلعبه رغم تغافلنا وتجاهلنا له طوال عقود من الزمان لم تكن التنمية متوازنة رغم الموارد الغنية فى كل الريف ضعف في البنى التحية ، إهمال للمشاريع الزراعية العملاقة ، توقف المصانع وغيرها .
تعلم الوافدين للريف أهمية البيت الكبير والحوش الواسع والهواء النقي فى مناطق لم يعرفها بعض الأطفال ولم يسمعوا بها حتى من أسرهم بسبب الهجرة المبكرة من الريف صوب كبرى المدن .صوب العاصمة الخرطوم بحثا عن فرص للتعليم فى الجميلة ومستحيلة وغيرها من جامعات بلادي التي نعتز ونفاخر بها .وإيجاد فرص عمل ومنها هاجر البعض فى بلاد الله.
تكررت دعواتنا ونداءاتنا فى كتاباتنا بالاهتمام بالريف .أصبح الريف السوداني اليوم هو الملاذ الآمن بعد ان أصبحت العاصمة طاردة لكل ساكنيها .
دعوتنا لكل من فقد داره وماله بالخرطوم بسبب الحرب والتفلتات الأمنية وظهور عصابات النهب والسلب وغيرها من فاقدي الضمير الإنساني ان ينظر للجانب الإيجابي لهذه الحرب (إن وجد واشك في ذلك) ونغتنم الفرصة ونقدم خدماتنا للكل الريف السوداني ولا أستثنى. دعوتنا للأطباء والمهندسين والمعلمين والإعلاميين والمحامين والطلاب ( الذين أصاب الدمار جامعاتهم) القائمة تطول ولكل شرائح المجتمع ان يقدموا خبراتهم للريف .لا عودة الآن للخرطوم فى ظل وضع غير آمن ومستقر .دعونا نلتفت لبناء دولة المؤسسات التي نحلم بها من الريف .
نكررها دوما ان التنمية تبدأ من الريف .نقولها اليوم أن الإعمار يبدأ من الريف .وأن السودان احب مكان .سوداني الجوة وجداني بريدو.
دعونا نصدق النوايا فى حب الوطن فالتحول الديمقراطي والتنمية والإعمار ليست شعارات رنانة .بناء الوطن مسئولية الجميع.