تشهد الساحة السياسية حراكا قد يسميه البعض تخبط فى إختلاف الرؤى ووجهات النظر ووضع سياسات وإستراتيجيات تؤسس لدولة المؤسسات والتى لم تكتمل هياكلها ممثلة فى البرلمان والمجلس التشريعى وغيرها من المؤسسات التى تقوم بدور الرقابة على أداء الدولة ودولاب العمل فيها.
حالة عدم الإستقرار السياسي والإنفلات الامنى الذى تعيشه البلاد إنعكس على واقع الحياة فى مجتمع مثقل بجراح الحروب الاهلية والصراعات القبلية التى تظهر بين الفينة والأخرى.
يقولون إن المعاناة تولد الإبداع ولسان حال كل شخص تلتقيه خلال يومك هذا يبدأ حديثه حتى لو عابرا بمر الشكوى من ضيق الحال وسوء المعيشة.لا ننكر الظروف التى يمر بها عالمنا المعاصر بكل مسمياته عالم أول متقدم وآخر نامى تتجاذبه صراعات داخلية فى كل اجزائه.ولعل معاناة المبدع من كاتب أو مؤلف او فنان بكل ضروب الفن تأخذ منحى آخر.تكون هذه المعاناة نقطة إنطلاقة لعكس الواقع وتجسيد ما يجرى على أرض الواقع فى قوالب إبداعية صادقة مستلهم أفكاره من معايشته لهذا الواقع.
لعبة الفنون بكل أشكالها اداورآ حقيقية فى عكس نضال الشعوب وبحثهم عن الحرية والعدالة والمساواة ورفع الظلم عن المواطن والمطالبة بكل حقوقه خلال عقود من الزمان .
تقدمت الدراما صفوف الإبداع ليقدم المسرح أبو الفنون مئات المسرحيات وخلدت أسماءها بأحرف من نور لدى المتلقى فى كل بقاع الدنيا .حينها إحترم المتلقي والمشاهد والمتابع والمستمع للأعمال الدرامية عبر كل وسائل الإعلام ووسائطه وحتى الأعمال الدرامية المباشرة مع الجمهور داخل الأسواق وعلى الشوارع لتسجل تفاعل وانفعال الجمهور المتلقي للرسالة الإبداعية.
لم يكن السودان بمعزل عن محيطه الإقليمى والدولى ،ظللنا نكرر هذه العبارات فى كثير من كتاباتنا عبر هذه المساحة وذلك للتأثير المباشر على كل الصعد. الدراما السودانية استطاعت أن تلعب أدوارا ملموسة خلال عقود مضت تفاعل معها الجمهور واستطاعت ان تعكس واقع الحياة خلال فترات وحقب زمنية شهدت نضال ضد المستعمر وفترة ما بعد خروج المستعمر وازدهار الحياة الأدبية والإبداعية ليتم تأسيس المسرح القومى فى خمسينات القرن الماضى.
كذلك الإذاعة السودانية القومية أم الإذاعات السودانية فى اربعينات ذات القرن والتى طالما جلست وتحلقت مئات الأسر السودانية حول المذياع تتابع بشغف على سبيل المثال لا الحصر مسلسل الدهباية وغيره بكل ادب المستمع الجيد الذواق.حينها كانت الدراما دراما حقيقية سواء على خشبة المسارح والمراكز الثقافية أو عبر الإذاعات التى جاءت على درب الإذاعة السودانية القومية ( راديو أم درمان) .كانت الأعمال الدرامية التى تبث فى حقب تميزت ببساطة اداة او ماعون المنتج مع علو قيمة المنتج نفسه والذى جاء نتاج تكامل ادوار مابين النص الجيد والسيناريست المبدع إضافة الى ممثلين فنانين جسدوا بصدق كل الشخصيات المطلوبة داخل العمل الدرامى،لم يكتمل نجاح تلك الأعمال إلا بمؤثرات صوتية وضوئية وديكور فى وجود ربان ماهر قاد دفة العمل الدرامى بإحترافية عالية جدآ ليعالج إحدى القضايا والمشاكل فى المجتمع او حتى يضع مؤشرات تساهم فى علاج تلك المشاكل والقضايا.
تشهد الساحة الإبداعية الآن تراجعا فى المنتج الدرامى عبر المؤسسات الرسمية والخاصة والمعروفة لدى المتلقى ،هذا التراجع إن جاز لنا ان نسميه غيابا تاما . يوازى كل هذ الغياب ومع ظهور وسائل التواصل الإجتماعي والتي سحبت البساط بكل شجاعة لتجعل من الدراما على منصات التواصل الإجتماعى سيدة الموقف ولتجعل المشاهد والمتلقى ( ومن يمتلك جهازا ذكيا) أسيرا لهذا النوع من الدراما والبرامج الحوارية والمنتديات وغيرها ما جعل المشاهد مأخوذ بهكذا برامج قد نتفق معها وقد نختلف.
غياب أو تراجع الدراما السودانية والغياب التام لمهرجانات الثقافة والمواسم المسرحية يجعلنا نرفع حاجب الدهشة ونطرح عدد من الأسئلة أو التساؤلات؟ هل مايقدم عبر السوشيال ميديا دراما حقيقية ربطت بين العلم والخبرة والإحترافية أم كانت أسيرة للموهبة؟ هل أصبحت ميزانيات صناعة هذه الأعمال الإبداعية طاردة لكثير من المبدعين ؟ هل عجزت الدولة عن فهمها للدور الحقيقي للفنون؟ ماهو دور الدراما الحقيقي فى المجتمع عمومآ؟ هل تقف الدراما عند محطة التشخيص ام البحث عن حلول لهكذا قضايا؟هل استسلم المبدع وتخلى عن أدواته الإبداعية ليبحث عن مجالات أخرى ؟
دعوتنا ان نجعل من الدراما والفنون الإبداعية اداة لمعالجة الظواهر السالبة فى مجتمعاتنا لا ان تكون هى من يحتاج الى معالجة .ليت المسرح السوداني يعود الى ألقه وبهائه وجماله.ليت مهرجانات الثقافة و المواسم المسرحية تعود بشكل حديث متجدد يعالج قضايا المجتمع التي تشعبت تكاثرت وتطاولت وأصبحت مصدر قلق لكل المجتمع السودانى.