للحديث عن استراتيجية سلام دارفور بين وفرة المياه وندرتها.. لابد من طرح سؤال مهم هل هناك علاقة مباشرة بين توقف برامج التنمية الاجتماعية الممثل في حصاد المياه وتجدد النزاع بين القبائل في دارفور
مؤكد الإجابة نعم جانب أسباب أخرى لكن ما يعنينا هنا الحديث عن برنامج حصاد المياه بوصفه من اهم برامج التنمية الاجتماعية للريف حيث يعد توفر المياه من أسباب خفض التوتر وتجنب النزاعات القبلية في دارفور بالتنمية في جميع المناطق تعتبر المدخل الرئيسي الاستقرار واستتباب الأمن وازدهار المجتمعات.. وقد تكشف لنا ذلك من خلال الشواهد في عدد من الولايات السودانية التي استفادت من برنامج حصاد المياه في تعزيز الاستقرار والأمن وتعزيز فرص تنمية الإنسان .
تحدثنا في مقال سابق عن أهمية مشروعات حصاد المياه في السودان ومساهمتها في بسط الأمن بعد تنفيذ الخطة القومية المتعلقة بصفرية العطش للعام 2016 في الريف السوداني و التزامها بالخطة الأممية الرامية الي توفير المياه للإنسان والحيوان في دائرة قطرها لا يتجاوز الاثنين كيلو متر والتي تم تعديلها علي المستوى الوطني لتتناسب مع طبيعة انتشار السكان في حدود خمس كيلو متر في المرحلة الأولى من أقرب مصدر للمياه
حيث عرفت المصادر بـ" سد؛ حفير؛ بئر "
.. كما سلطنا الضوء علي سدود حصاد المياه في ولايات دارفور وكردفان وإسهامها الفاعل في عودة النازحين واحتواء النزاعات القبلية وانها تعد من الأسباب المباشرة في استقرار السكان في جوانب المراعي والزراعة والصحة والتعليم..
في هذا المقال نواصل حديثنا للتأكيد علي أهمية مشروعات حصاد المياه في تعزيز فرص نجاح اتفاقيات السلام الموقعة مع الحركات المسلحة بما تساهم به في بسط الأمن ودعم الاستقرار من خلال توفر المياه والمرعي وعودة النازحين والحد من التدخلات الحدودية في هجرات السكان الموسمية بحثا عن المياه في أوقات الجفاف حيث تعد ندرة المياه وضيق المرعي من الأسباب الرئيسية في إذكاء حدة النزاعات بين القبائل التي تسكن المنطقة والقبائل الأخرى ذات الجوار الجغرافي..
وهذا ما تحدثنا عنه سابقا عن اثر مشروعات حصاد المياه في ولايات دارفور من خلال مساهمتها في الاستقرار والأمن .. لذلك وحتي نتجنب تعميق أسباب النزاعات لابد من المسارعة في استمرار هذه المشروعات بتوفير الدعم اللازم عبر الشركاء المحليين و الإقليميين
بغرض التوسع فيها و المحافظة علي القائم منها وإيجاد الإدارة المشتركة استدامتها.. وتعهدها بالتطوير والحماية اللازمة.. كذلك لابد من الاستمرار بتنفيذ المزيد من هذه المشروعات لضمان الاستقرار و دعم معادلة الشراكة القائمة بين المركز والولايات لضمان الصيانة والتشغيل والاستدامة.
تعد الإدارة المتكاملة للموارد المائية من اهم محددات النهضة في إطار أهداف التنمية المستدامة وأهداف الألفية التي تتبناها الأمم المتحدة عبر الخطط والبرامج لتحقيق مستقبل أفضل لجميع الشعوب بحلول عام 2030م.
لذلك لابد من منهج سليم تتبناه المؤسسات ذات الصلة بالموارد المائية لمواجهة جملة من التحديات والمتغيرات المائية في الحاضر والمستقبل لتكريس مفهوم استدامة الموارد المائية والاستفادة من العائد.
في هذا الإطار نجد ان وزارة الري السودانية عبر وحدة السدود نفذت عدد من المشروعات ضمن برنامج حصاد المياه في ولايات دارفور وكردفان وعدد من الولايات الأخرى والتي تحدثنا عنها في مفتتح هذه المقالات حيث شملت إنشاء عدد من السدود والحفائر والآبار و تأهيل آبار غرب بارا وكبري وادي الملك وتأهيل محطات رصد الامطار وفتح أودية تلس (بلبل وشخارة) في دارفور وكبري ابو زعيمة.
من المعلوم ان تقنية حصاد المياه بالسودان تهدف لجمع وتخزين مياه الأمطار والوديان خلال فترة الخريف( للاستفادة منها خلال فترة الصيف
وتعد من أهم مشروعات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في العصر الحديث.. منذ بداية الخطة من جملة 7500 حسب أطلس المياه الذي حدد المناطق المستهدفة تم تنفيذ 38 سد 500 حفير و 700 بئر تعمل بالطاقة الشمسية في كافة ولايات السودان والتي ساهمت بصورة مباشرة في عودة النازحين واحتواء النزاعات القبلية وتوطين المرعي وتوفير مياه الشرب للإنسان والحيوان والزراعة لاسيما في دارفور وكردفان.
اكدت الدراسات ان السودان يملك معدلات عالية لهطول الأمطار تعادل اضعاف ايراد النيل وروافده .. وعملت هذه المشروعات علي توفير مياه عذبة ذات جودة عالية تتناسب مع احتياج الإنسان.
ان مشروعات حصاد المياه تتمحور حول جملة من الأهداف والتحديات منها توفير مياه الشرب للإنسان والحيوان و دعم الأمن القومي والاستقرار بتنمية المناطق الحدودية بتوفير المياه لتخفيف الصراع على المياه داخل حدود السودان و مع الدول المجاورة
بجانب تأمين استغلال مصادر المياه الموسمية للأحواض المشتركة
والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي من خلال الاكتفاء الذاتي مع العمل علي تنمية المراعي الطبيعية والغابات ودعم الأمن المائي.
ساهمت مشروعات حصاد المياه في تلبية الحاجة العاجلة وزيادة حصة الفرد بالريف من المياه لتتناسب مع إستراتيجية البلاد المائية و تحقيق أهداف الألفية الانمائية من حيث الوفرة و الكمية و الجودة.. توطين الرحل والرعاة ووقف النزاع حول المياه بين المزارعين و تحفيز النازحين للعودة لمناطقهم كما عززت الحماية من السيول والفيضانات
و قللت من الأمراض والأوبئة وعملت علي تحسين الظروف الصحية أحدثت قدر من الاستقرار في الريفية وخلق فرص عمل إضافية.. عملت علي محاربة الفقر والجوع والمرض والبطالة.
بدء مشروع حصاد المياه بولاية البحر الأحمر بتشييد 9 حفائر و 4 سدود بسعات كبيرة أهمها سد موج الذي يقع على بعد 30 كيلومتر من مدينة بورتسودان كذلك سد جبيت الإشراف بمحلية سنكات كذلك تم تأهيل سد سلالاب الذي
يقع فى الجزء الغربي من مدينة بورتسودان بجانب سد اركويت 2 السطحي تغذية الحوض الجوفي وتثبيت انجراف التربة وتوسعة الرقعة الزراعية
لاهالى المنطقة.
اما في ولاية سنار تم تشييد 25 حفير وعدد من السدود منها سد (ابو قرود) بمحلية الدالي والمزموم وتم تاهيل سد العطشان بالدندر وسد بابنجا بمحلية الدندر
وسد ملوية بمحلية و
سد خور الترو بمحلية الدالي حيث حققت مشروعات الحصاد بولاية سنار الوفرة بعد الندرة والسقيا بعد العطش واصبح الذين يبحثون عن الماء في الماضي للشرب باستطاعتهم الزراعة من خلال ما يتم توفيره من مياه.
عمل برنامج حصاد المياه في ولاية النيل الابيض علي الحد من التداخل في المرعى الي جانب توفير مياه الشرب لتجمعات سكانية مناطق من حضر وريف الولاية الي جانب الحماية من الفيضانات حيث تم تشييد عدد من المشروعات 59 حفير وعدد من السدود أهمها سد الاعوج كأكبر سد يمكن انشاؤه علي الأودية الموسمية بمحلية تندلتي الي جانب تأهيل سد المقينص بمحلية السلام حيث شكلت هذه السدود استقرار للسكان بالمنطقة واحدثت تطوير قطاعات الإنتاج المختلفة.
اما في ولاية القضارف والتي تتعدد فيها الأنهار والأودية والمنخفضات والبرك والخيران وتتفاوت معدلات الأمطار باصقاعها المختلفة وتفقد الولاية كميات كبيرة من مياه الأمطار والتي تذهب هدرا اضافة الي الاودية الكبيرة ورغم هذه المياه الكثيرة فان أجزاء واسعة من الولاية يعاني مواطنها من العطش كما ان الولاية تتميز بوجود أهم الثروات الحيوانية الكبيرة.. لذلك شكل شح المياه مشكلة حقيقية وعقبة كؤود أمام تطور ونمو قطاع الثروة الحيوانية بالولاية التي شملت 20 حفير تأهيل سد القريشة الذي أحدث تحولا كبيرا في حياة المجتمعات المحلية اقتصاديا واجتماعيا واجتماعيا كما طور في قطاعات الرعي والزراعة.
ولاية الجزيرة تدخل المشروع بعدد 19 حفير و 41 بئر شملت محليات الولاية المختلفة وتمثل حوجة عدد من مناطق الولاية التي تقع في منطقة صخور تنعدم المياه الجوفية وبالتالي يصبح الاعتماد علي حصاد مياه الامطار في فترة الخريف امر ضروري.
تعد ولاية النيل الأزرق نموذجا حقيقيا لاختلال المعادلة بين الوفرة والندرة في المياه في مناطق الولاية التي تعاني الفيضان والغرق خريفا و تئن تحت وطأة الجفاف والعطش صيفا عندئذ تصبح المياه شي عزيز وتبدأ رحلة تستمر طويلا بحثا عن الماء الذي يصعب الحصول عليه حيث تبعد عشرات الكيلومترات في رحلة لا تخلو من الشقاء والعناء والنصب لكثير من المواطنين.
وتتقاسم الأسر المعاناة النساء يذهبن لأميال طلبا ماء يكفي للشرب وبعض متطلبات الحياة اليوميه، والرجال يقطعون مئات الاميال بحثاً عن سقيا للماشية، كان هذا هو المشهد في ولاية النيل الازرق، والعطش هو العنوان الأبرز لحياتهم، وكان من الطبيعي لمناطق عديدة تفتقد عصب الحياة أن تكون فاقدة لما سواه، الاهل لا ان هذا المشهد قد تبدل وحلت المعادلة الصعبة بتنفيذ مشاريع حصاد المياه بالولاية ، ليحل مشهد جديد الوفرة عنوانه في كل الفصول حيث تم تنفيذ 27 حفير في أنحاء الولاية وتم تأهيل سدي (رورو) و(بوط ) بمحلية التضامن وزعت مشروعات الحفائر والسدود التي نفذت في جميع أنحاء الولاية لتغطي مناطق الجفاف لاكبر مساحات ممكنة وقد روعي في حفائر شرب الحيوان ان تقع في مسارات للرعاة.
تعتبر الولاية الشمالية واحدة من أكثر الولايات الزاخرة والواعدة في المجالات الزراعية وتكمن مشكلة الزراعة في الولاية الشمالية في ندرة الأمطار الأمر الذي استدعى التفكير في كيفية توفير المياه لتغطية الحاجة الملحة منها فانطلقت مشاريع حصاد المياه بالولاية الشمالية بتأهيل أحواض الري الفيضي وإدراجها ضمن مشروعات حصاد المياه لتلافي مشكلة شح مياه الأمطار
واشتملت عمليات التأهيل للوديان باعادة حفر القنوات الرئيسة والفرعية التي تغذي الأراضي الزاعية بالمياه في موسم الدميرة .. حيث يعد مشروع حوض السليم
ومن أهم واضخم ما تم تنفيذه في هذا الجانب حيث يقع بالضفة الشرقية للنيل محاذيا مدينة دنقلا.. يشكل بعداً اقتصادياً هاماً لمنطقة دنقلا وذلك لعمل نسبة كبيرة من سكان المنطقة بالمشروع بالإضافة الي إنتاج عدد من المحاصيل المهمة .
علي الرغم من ان معدلات الأمطار بولاية نهر النيل ليست كبيرة لان ان الولاية بها عدد كبير من الاودية والخيران والتي تمتاز بايرادات عالية مما يوفر إمكانية قيام مشروعات حصاد المياه في عدد من مناطق الولاية حيث تم تنفيذ 10 حفائر بولاية نهر النيل سد المروة بمنطقة الابرق وقد مثلت هذه المشروعات نقلة كبيرة بارياف الولاية خاصة في تلك المناطق التي تشهد فترات جفاف طويلة مما انعكس تطور ونماء علي حياة المجتمعات المحلية بالولاية.
ان مشروعات حصاد المياه في السودان تعد الداعم الأساس لاستراتيجية السلام والأمن لاسيما سلام دارفور الذي يقوم علي اهمية تحقيق الاستقرار في الاقليم من خلال توفير مقومات الحياة صحة وتعليم ومعاش وأمن تحرسه التنمية بكل أشكالها ذلك من خلال توفير المياه ومحاربة العطش إذ ان ندرة المياه تمثل السبب الرئيسي في نشوب النزاعات
لذلك يعد حصاد المياه من المشروعات الاستراتيجية التي يجب ان يستمر العمل فيها حتى تحقق أهدافها المرجوة من استقرار الانسان ودعم استراتيجية السلام في ولايات دارفور وفي جميع الولايات .
بالله التوفيق.؛؛