أن موضوع المياه وأهميتها بالنسبة للسودان ومصر يشكل نقطة التقاء إستراتيجي تجمع بين المصالح المشتركة قديما وحديثا وعلى مختلف اتجاهاتها الفكرية و السياسية والايدلوجية ذلك لكون المصالح المشتركة متداخلة حيث شكلت قضية السيطرة على منابع النيل والمصادر المائية أبرز الخطوات السياسية بين البلدين وربما العسكرية..التي توحد جهودهما لتأمين الاحتياجات المائية لشعبيهما
رغم تقلبات الأوضاع السياسية في البلدين خلال مراحل مختلفة إلا أن ذلك جعل هناك حتمية لتنسيق الأدوار في ظل التعنت الإثيوبي المتعلق بالاتفاق حول الملء والتشغيل وتبادل المعلومات حول سد النهضة..مما جعل السودان ومصر في وضع صعب بالنظر الي تأخر هذا الإتفاق الملزم والذي يجعل إدارة الخزانات في البلدين صعبة للغاية خصوصا خلال سنوات الجفاف والجفاف الممتد..كما أن هناك عوامل كثيرة باتت ملزمة لجميع الأطراف حول ضرورة الإتفاق..منها المتغيرات المناخية التي تؤثر على وفرة الأمطار وندرتها خلال فترة الخريف بجانب ضرورة أن يكون هناك احتياطي مقدر يفي باحتياجات السودان ومصر للاستهلاك في ظل النمو السكاني للبلدين والتوسع في المشروعات الزراعية والمائية المختلفة
بالنظر الي تعرض مصادر المياه الأخرى للتلوث وقلة الأمطار الموسمية المتوقعة خلال العقود المقبلة..لذلك بات من المهم أن يتجه البلدان الي محاولة التخفيف من وطأة الجفاف المتوقعة مستقبلا بتبادل المعلومات وإقامة المشروعات الزراعية الحديثة وتكامل الأدوار للخروج من الازمة المحتملة.
في هذا السياق تجي زيارة وزير الموارد المائية والري المصري الدكتور هاني سويلم للسودان لمناقشة موضوعات عدة كما أعلنت ذلك صحيفة الانتباهة السودانية بينما يرى مراقبون أن الزيارة ربما تشمل جوانب الاستثمار الزراعي والري وقد أعلن على ضو ذلك إعادة إحياء الهيئة المشتركة لمياه التي توقفت أعمالها بين الجانبين خلال الأعوام الماضية حيث تعد الهيئة المشتركة لمياه النيل التي أنشئت في العام 1960 بناء على اتفاقية مياه النيل في العام 1959، وتعد أحد أقدم آليات التعاون بين البلدين.
وتعنى الهيئة بـإدارة مياه النيل بصورة مشتركة من خلال القياسات وتبادل بيانات محطات القياس في السودان ومصر بما يساعد حكومتي البلدين على إدارة مورد مياه النيل بصورة فعالة..وربما جاء الزيارة أيضا لتنسيق المواقف فيما يتعلق بملف سد النهضة التي تتجه إثيوبيا الي إكمال الملء الرابع للسد في يونيو من العام الحالي حيث أعلنت وكالات عن صور فضائية التقطت مؤخرا قد أظهرت استعدادات إثيوبية لبدء الملء الرابع لسد النهضة الذي يمثل عمليا اكتمال التخزين المطلوب، حيث تستهدف أثيوبيا تخزين 25 مليار متر مكعب خلال العام الجاري 2023م.
يرى عدد من الخبراء المختصون ضرورة اتخاذ بعض الإجراءات لمواجهة نقص المياه المحتمل في السودان ومصر.. ولا يستبعد بعض الباحثين ان تكون هناك مبالغة في تصور أبعاد هذه الازمة كمسوغ لأطماع إثيوبية عدوانية للاستيلاء على مزيد المياه من خلال إنشاء سد النهضة.
حيث يرى البعض ان أزمة سد النهضة المائية وضعت على هذه الشاكلة للإبقاء على اقتصاد السودان متخلفا من خلال فرض واقع اقلال الاستهلاك من المياه الموجه للمشروعات الزراعية الكبرى أمام فرص السودان المعلومة بتمتع بأراضي شاسعة صالحة للزراعة. والزيادة السكانية المتوقعة التي تتطلب من الحكومة السودانية الاتجاه الي تأمين الغذاء وتوفير الفرص لقيام المشروعات الإنتاجية لدعم الاقتصاد ومكافحة البطالة المتزايدة في ظل عدم الاستقرار الذي تعانيه البلاد في هذه التوقيت. والذي بات مهددا لموقف السودان التفاوضي للظفر باتفاق ملزم لإثيوبيا يمكن من بيانات التشغيل لسد النهضة لتلافي أي تطورات محتملة في جميع الأحوال .
من ناحية أخرى يعد مشروع الاستفادة من النيل قديم متجدد.. فقد يعاني السودان اذا لم يتخذ التدابير اللازمة من عجز حقيقي في حال سنوات الجفاف.. للإيفاء بمتطلباته الحقيقية من المياه وقد تتأثر مصر كذلك بهذا العجز. لذلك يرى عدد من الخبراء ضرورة إيجاد صيغة اتفاق استثنائي إذا تعذر الاتفاق الملزم وهو ربما تسوية عاجلة تجعل الدول الثلاث في مأمن من المخاطر يتم بموجبها تقاسم الفوائد المرجوة حتى تتمكن من تأمين احتياجاتها الحقيقية من المياه لقيام المشروعات المشتركة.. لاسيما أن السودان ومصر لم يعد يملكان كثير من أوراق الضغط على الجانب الإثيوبي وقد أعلن ذلك متخصصون ان “ليس أمام الخرطوم والقاهرة كروت ضغط لإجبار أديس أبابا على العودة للتفاوض”.
هكذا نلاحظ دائما تداخل الخريطة المائية مع الخريطة الجيوسياسية والأمنية وتلازمها..
رغم ان البعض يرى النوايا الحسنة للجانب الإثيوبي في تقديم بعض التنازلات التي افضت في مرحلة من المراحل إلى التوقيع على وثيقة إعلان المبادئ المتعلق بسدِّ النهضة في العام 2015 بين دولة المنبع الرئيسية إثيوبيا ودولتي المعبر والمصب السودان ومصر وقد جاء التوقيع على الوثيقة المتعلقة به في إطار الحل او التسوية السياسية لقضية الخلاف بين إثيوبيا والسودان ومصر بعد ان ظلت إثيوبيا ترفض الاتفاقية السابقة والتي تعود إلى 1929 و1959 حول نهل النيل، كما ظلت مصر ترفض التوقيع على اتفاقية عينتيبي التي وقعت عليها إثيوبيا مع بعض دول حوض النيل. حيث جاء التوقيع على هذه الوثيقة في ظروف خاصة وفي سياق معين اشبه بتسوية الخلافات بين الأطراف ولابدا حسن النوايا..
والذي تمكنت بموجبه جميع الأطراف من تنسيق الأدوار مرحليا.
لذلك لابد من مراعاة جغرافيا المنطقة وحدودها المتداخلة التي تمكن من تكامل الأدوار وتعظيم الفوائد المرجوة مما يدفع بأتجاه السلام في المنطقة وحتى تظل حقيقة ذلك امر استراتيجيا يتجاوز قضية السيطرة على الموارد المائية ومنابعها الي قضية تكامل الأدوار لتعظيم الفوائد. وهذا ممكنا اذا نجحت التسوية المحتملة في أرضا جميع الأطراف..فقد ظل الخبراء السودانيين ينظرون لأمر تكامل الأدوار كأمر ممكن من خلال ما
تملكه اثيوبيا من طاقة كهربائية تزيد عن حاجتها وما يملكه السودان من أراضي زراعية شاسعة قابلة لتأمين الغذاء للدول الثلاث والمنطقة وما تملكه مصر من خبرات في التدريب والتأهيل والإصلاح الزراعي والكادر البشري الذي يجيد التعامل مع الأرض..
تبقي أهمية أن يتجه السودان إلى تأمين احتياجاته المائية لمقابلة التوسع الزراعي والمحافظة على تشغيل منظومة السدود السودانية بكفاءة عالية.. لاسيما أن هناك اتجاه للدخول في استثمارات مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة في جانب الزراعة والثروة الحيوانية وتوظيف الموارد المادية والبشرية توظيفا يدفع بتطور البلاد في الجانب الاقتصادي ويعزز فرص الاستفادة من الموارد المائية بالصورة المطلوبة.
دمتم بخير.