بعد بيان القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان يوم الإثنين الماضي ومن ضمنه انسحاب الشق العسكري من حوار الآلية الثلاثية ليتيح للمدنيين التحاور فيما بينهم، أعلنت الآلية الثلاثية المُسهِّلة للحوار بين الفرقاء السودانيين والمكوَّنة من الأمم المتحدة والإيقاد والإتحاد الافريقي، أعلنت أنه لا جدوى من الحوار بعد انسحاب المكون العسكري منه، وكانت الآلية أطلقت حواراً في الثامن من يونيو، وعلّقته إلى أجلٍ غير مسمّي عقب مقاطعة قوي الحرية والتغيير وتجمع المهنيين ولجان والمقاومة له ، حيث حضره الشق العسكري ومجموعة الوفاق الوطني.
وما الآلية إلا أداة “مُسهِّلة” للحوار ، فإن كانت سياستها على نهج “لابدورك ولا بحمل براك..” فعليها يسهِّل.. وعلينا يمهِّل “! .
غريب أمرك أيتها الآلية!.
في المرّة السابقة علقتِ الحوار لإرضاء الحرية والتغيير لأن الجيش حضره !… والآن الجيش يريد أن يكون خارج الحوار حتى يرفع الحرج عن نفسه ، وعن نفسكم، ونفس الحرية والتغيير!…
” المشكلة وين؟!”.
إذن الآلية الثلاثية هي وسيط بين فرقاء وامتنعت وتمنّعت !.. هل معنى ذلك ستتوقف عجلة الحياة والحوار ؟!. الناس يقولون أي حوار لا تشرف عليه الأمم المتحدة يكون ناقص، ويقلل فرص دعم المجتمع الدولي وأنّ الولايات المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية وبلدان الاتحاد الأوروبي قد شرعت في تعليق مساعدات بمليارات الدولارات، تلك المساعدات التي حُشد لها المجتمع الدولي في باريس يوم 17مايو 2021 الماضي، تحت عنوان مؤتمر دعم الإنتقال الديمقراطي في السودان… وخرج المؤتمر (الكذبة الكبرى ) بالآتي :
() إعفاء ديون السودان الخارجية البالغة 58 مليار !، ولم يتم إعفاء دولار واحد .
() جذب الإستثمار . ولا شيئ حدث من هذا القبيل !.
() دمج البلاد في المجتمع الدولي بعد عزلة ثلاثة عقود . ومازلنا معزولون “مُعقّدون”!
إذن لماذا نجري ونتهافت وراء دعم ووعد مثل : “سراب ما حصّلو الجاري” ولن يحصِّله ؟!!!
أيها الوطنيون المخلصون من أبناء الوطن :
نحن في وطن وهبه الله طبيعة لم يهبها دولة في الكرة الأرضية، أراضي خصبة على مد البصر تنتج قمحاً ووعداً وتمنِّي، وتحتها تنتج ذهباً وبترولاً ويورانيوم ومعادن . نيل عذب ، وبحر مالح . ثروة حيوانية وحياة برية. أودية وجبال. سهول وصحاري. غابات وبساتين . موانئ استراتيجية ، المنفذ الوحيد الذي يربط أفريقيا بالعالم !.وفوق ذلك مورد بشري عظيم “إنسان السودان” القوى الأمين ! الذي شهدت الدول من حولنا نزاهته وإخلاصه وشاركته في بناء أوطانها ، من شدة ثقتها فيه ،، باختصار شديد ” المافي شنو؟!” إذن… ماذا نريد من المجتمع الدولي،،، الذي هو يريد ؟ !!!
أيها الوطنيون المخلصون :
إنّ الوطن على حافة الإنهيار ،، بل بدأ في الإنهيار .
يا أهل الخرطوم التي كانت يوماً ما تجمع الخصوم وتصالحهم في أقل من يوم ؟ وكم شهدت تصالح الزعماء العرب في أحلك الظروف، أيام النكسة والشدة !. يوم لم تكن للعرب والأفارقة وجهة إلا الخرطوم !!، والتاريخ يشهد، شعب مانديلّا يمتن، وزعماء العرب الملك فيصل وعبد الناصر وأبو عمّار وغيرهم من الأفذاذ ، شهدوا وحفظوا العهد وماتوا.. لكن التاريخ لا يموت إلى أن يرث الله الأرض .
وإن كنا كذلك… وكانت لنا أيّام.. لن ننسى ذكراها !
فهل نعجز في أن نجلس سوياً ونتصالح من أجل الوطن عوضاً عن شعار “لا شرعية”! والراعي في سهول فوربرنقا يعلم أنّ معظم أحزابنا السياسية بدون شرعية، لأنها لم تقم لها مؤتمرات قاعدية تُقنِّن هذه الشرعية ! وليس لها قيادات أتت من صلب تلك القاعدية !.
وعن شعار “لا تفاوض” فالديمقراطية في كل دول العالم أساسها التفاوض ، والعرف السوداني القديم الأصيل يترنّم ويتغنّي :
فاوضني بلا زعل.. ياخي فاوضني بلا زعل.!!
وعن شعار “لا شراكة”.. كيف يستغني الساسة المدنيون عن القوات وهي الحارس لمنزل الوزير ومكتب الوزير ، وبنك السودان ، وكل المواقع الإستراتيجية، والحدود ، أليست هذه شراكة ؟!…وكيف لا تكون شراكة وأنت أيها المسئول تؤمِّنّي على بيتك وأسرتك وعرضك ؟! … وهل يستطيع المسئول المدني التحرك دون أن تكون أمامه “سارينا” وخلفه حراسة أمينة ؟!، مالكم تريدون شوربة الحمام ، وتكرهون لحم وعظام وهياكل الحمام ؟!.
إنّه وضح جلياً للعيان، أنّ كل هذا التعنُّت والإمتناع والتمنُّع هدفه شيئ واحد ، هو دخول القصر ، وهذه أمنية إستعمارية قديمة صعبة المنال ومستحيلة!! .. ذاك القصر الذي قُتِل فيه أكبر مستعمر جبروتي حكم السودان ، مازال أسلافه يحقدون… ويتمنون أن يروا هذا القصر “دُرّابة دُرّابة “..وعرباته الأثرية “صامولة صامولة” !، لأنه بدخول الملايين القصر ، ينفلت وينفرط عقد الأمن، ويعم الخراب، وينعق علي عمارات وخرابات الخرطوم الغُراب “البعجبو الخراب”وتقع المجازر والقتلى والأشلّاء ، ويتم تدمير تاريخ وتراث أصيل توارثناه جيل عن جيل ، وجد عن جد !… وإلا ولماذا تُرِك كل شيء….. وفقط (دخول القصر)؟! ، ذلك لأنّ دخول القصر يعني انتهاء دولة كان اسمها السودان ! .
فيا حماة الأوطان من وطنيي ومخلصي السودان :
إنّ ثلاثة سنوات مضت من عمر هذه الثورة ، ولم نحصد غير إزهاق أرواح مئات الشباب حتى فاحت روائح جثثهم ، وتعفّنت، وتحلّلت، في أبشع جرائم الإنسانية، وماتوا حين ماتت بعدهم مباشرة لجنة “أديب”!، ومازال الجو عكر، وسماء الخرطوم ملبدة بالغيوم وستمطر مزيداً من الدم إن لم نكترث ونتعظ ونفهم !.
إلى متى؟! ….. وحتى متى؟!… إن لم توعظنا أيام التروية والوقوف بعرفة، والفجر والليال العشر ، وحرمات هذا الشهر وعيد “الضحية” أبلغ معاني التضحية والفداء ؟!
أيها الوطنيون المخلصون :
كوِّنوا آلية وطنية من وطنيين مخلصين لايريدون كرسي وسلطة..
وطنيون مهمتهم دعوة كل الفرقاء من المكونات السياسية، عدا حزب المؤتمر الوطني، الذي تم الإتفاق على عدم مشاركته في هذه الفترة الإنتقالية.
ادعوا كل الفرقاء في قاعة الصداقة، في أسبوع مشهود ، يترقّب نتائجه كل الشعب السوداني، أسبوع شعار مؤتمره :
( العسكر للثكنات والأحزاب للإنتخابات)
أسبوع فيه يتم توحيد الجيش ، ورفع التمام للقائد العام، ثم يمين دور للثكنات.
أسبوع تُخطَر فيه كل الأحزاب بأن تُوفِّق أوضاعها والإستعداد للإنتخابات خلال عامين من قيام المؤتمر .. أيِّ حزب لم يقيم مؤتمر عام للتأسيس، عليه أن يُسرِع ويشرع في ذلك ويختار قياداته ومكتبه من داخل مؤتمره ، ويخرج لمناصريه، ليبشرهم بأهداف حزبه والخطة التي سيخوض بها الإنتخابات .
أسبوع يتم فيه إختيار رئيس واحد للدولة بنظام الجمهورية، من الكفاءات الوطنية المؤهلة المخلصة التي لا تنتمي لأي تيّار عقائدي أو حزبي أو جهوي ، يتفق عليه كل المؤتمرين .
أسبوع يتم فيه اختيار مجلس الوزراء ورئيسه من وطنيين ، لا عساكر، ولا مدنيين، من كفاءات مؤهلة لإدارة الفترة الإنتقالية لعامين، تُكمل كل أجهزة الدولة حسب ما نصّت عليه الوثيقة الدستورية .
أسبوع مُغلق على العالم من حولنا.. لا وسائل إعلام محلية أو إقليمية أو عالمية تغطي جلساته، إلا اليوم السابع.. يوم تلاوة التوصيات والقرارات، يُسمَح لها فقط بدخول القاعة ونقل الأخبار السّارّة بأن أبناء ثورات أكتوبر وأبريل وَديسمبر ، معلمي الشعوب ، قد فعلوها، ودخلوها.. لا صقيرا حام ولا “حاجة”! .. دخلوها بفهم سوداني واعي راقي … وخرجوا متفِقين يوزِّعون الإبتسامات وشارات الرضا بعد إرساء قواعد حكم السودان .
فيا إخوتي غنّوا لهم.. غنّوا لهم.
وعاش أبناء السودان أحرار .. دون وصايا من الخارج.
والمجد والخلود لكل من خطّ على وجه الأرض سطراً بالدماء.