الشرطة المجتمعية نظام معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بريطانيا وفي فرنسا وفي أستراليا وفي كثير من الدول ، وما يتماشى مع عادات وثقافات تلك الدول ، وفي عالمنا العربي ، في معظمه، وحتى في مصر القريبة، لا ترى إمرأة في الشارع العام كاشفة الرأس !!.
وهو نظام يسهم في الحد من معدلات الجريمة والوقاية منها عبر بناء علاقات قوية مع المجتمع ومساعدة أفراده على حل المشكلات ، لتكتمل الجهود لمواجهة الجريمة والإخلال بالأمن ، وترسيخ مفهوم الأمن مسؤولية الجميع ، من مبدأ " كلكم راعٍ وكل راعٍ مسئول عن رعيته "
ما أن أصدر وزير الداخلية المُكلّف الفريق أول شرطة حقوقي عنان حامد قبل أيام قراره الشجاع بإنشاء الشرطة المجتمعية، إلّا وهاجت الأسافير ووسائط التواصل الإجتماعي بين مؤيد ومعارض لهذا القرار ، وقد وصل هذا الهيَجان قمته بعد تصريح الناطق الرسمي باسم الشرطة لمزيد من توضيح قرار وزير الداخلية عندما قال "نحن كمجتمع لدينا تقاليد وأعراف لا تقبل اللبس الفاضح والظواهر الدخيلة".
وعلى الفور تصدّي لتصريحه، الأمين العام لقوى الحرية والتغيير "التوافق الوطني"، مبارك أردول الذي قال :"الشرطة كجهة تنفيذية لا تملك حق التشريع للمواطنين وتحدد كيفية اللبس وطريقة حياتهم "!وأضاف أردول :" إذا صحّ هذا التصريح من الشرطة فهو عودة للنظام العام سيئ الذكر، وهو أمر خطير وغير مقبول ولا يمكن السكوت عليه"!.
نقول للسيد أردول إنّ الذي أصدر هذا القرار ، هو ( وزير الداخلية) ، ويعلم تماماً ما يقوم به ، من ما تعلّمه ، وحياة عملية عركته ، وليس على هواه ! ، وأنه لم يخرج عن سلطاته التنفيذية ، وكيف يخرج بعد خبرة طويلة في العمل الجنائي بدأها من ضابط جنايات في القسم ، ثم رئيس قسم ، ثم مدير شرطة محلية ، ثم مدير شرطة ولاية ، ومدير عام شرطة، وفوق ذلك هو وصل في درجة القانون لصفة "حقوقي"، هذا فضلاً عن الدورات الداخلية والخارجية والمؤهلات… والآن وزير مُكلّف ؟!!!! .
نقول للسيد أردول إنّ التشريع موجود أصلاً في القانون الجنائي السوداني منذ عشرات السنين ، بل قبل النظام سيئ الذكر الذي ذكرته ، ولا يمكن لضابط شرطة حقوقي أن يتجرأ ليشرِّع وينفِّذ في ذات الوقت !… هذا مستحيل !!، وأمر يعرفه أحدث مستجد في مراكز تدريب الشرطة !!
ولو كلّف السيد أردول نفسه واطلع على القانون الجنائي ، من باب الثقافة فقط ، والرجل اعتاد أن يظهر في الإعلام بكثافة في هذه الأيام !… لو اطلع ، لما صرّح بذلك . وفي الجزئية التي صرّح عنها الناطق الرسمي فقط . هناك مادة واضحة في هذا القانون تحدثت في هذا الشأن ، وهي المادة (152)الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة، " والتي تعاقب من أتى فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مخلاً بالآداب العامة في مكان عام يسبب مضايقة للشعور العام، وأردفت المادة بأن الفعل يعد مخلاً بالآداب العامة إذا كان في معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل"…. أين الإخلال هنا ؟!!… وهل يرضى المواطن العادي غير ذلك لزوجته وأمه وأخته وإبنته ؟!.
إذن قرار وزير الداخلية المُكلّف ، لم يخرج عن سلطاته التنفيذية ، وهو إنشاء إدارة ، وإعداد هيكلها الإداري والوصف الوظيفي ، وتوفير القوات وتجهيز المباني والمعينات اللازمة لتنطلق على بركة الله.
أمّا إذ كانت بعض قيادات الأحزاب وبعض الأصوات تنادي بدولة "حالّة شعرها" !!، فهذا لعمري يدعونا لأن ننعي موروثاتنا وتقاليدنا السمحة ، ونجتر الماضي ، ونقول أين أنت يا دكتور محمد بادي المارد الذي يجمع بين الأدب والطب والتراث والثقافة، حين تكتب ؟! :
مُقنَع سابِل وين بلقاهو
طرفاً زابِل وين بلقاهو
وعين بتدنقِر من واليهِن
الوجَنات الشَّعّن بَقّن
ود العِين النايِم زَرقَن
بِالحِيل آ جْنَيْ !!