الرئيسية » المقالات » قيد في الأحوال[لواء شرطة(م)عثمان صديق البدوي]إعادة الشرطة المجتمعية قرار صائب وقوِي من وزير الداخلية..نتعشّم لما بعده!!

قيد في الأحوال[لواء شرطة(م)عثمان صديق البدوي]إعادة الشرطة المجتمعية قرار صائب وقوِي من وزير الداخلية..نتعشّم لما بعده!!

شرطة(م)عثمان صديق البدوي

أعلن وزير الداخلية الفريق أول شرطة عنان حامد ، عن إنشاء إدارة الشرطة المجتمعية . وهو في الواقع " إعادة الشرطة المجتمعية"، وأيّاً كان ، فإنّ هذا القرار الذي أصدره الوزير ، يُعَد من أوّل القرارات الذي يرسي دعائم العمل الجنائي وانحسار الجريمة في السودان
كيف لا وفي السودان حدود طويلة ومفتوحة يصعب حمايتها ، وتدفُّق لاجئين يومياً بالعشرات ، بعاداتهم الدخيلة على المجتمعات ؟! ، وذوو نفوس مريضة لا يخافون الله ، من كسبهم المال بأي طريقة غير مشروعة ، من غسيل أموال وخلافها ! ، وتهريب كاد أن يكون علناً !! ،
وكانت نتيجة ذلك ، تفشِّي الدعارة ، وانتشار الخمور، وتعاطي المخدرات، وسط الأحياء والأسواق ومواقف المواصلات وعلى شواطئ الأنهار ، وداخل كل وكر من المساكن العشوائية، بل وعلى مستوى الشقق المفروشة والغير مفروشة، بل علي مستوي القرى والفرقان !!!
وعن الدعارة ، فقد كشف مدير مشرحة مستشفى الخرطوم قبل تسع سنوات أنّ المشرحة تستقبل ما بين 300 إلى 500 جثة طفل شهرياً لأطفال حديثي الولادة مجهولي الهوية ! . وأمس القريب كشفت وزارة التنمية الإجتماعية بولاية الخرطوم عن وجود 317 طفلاً بدار المايقوما حتى الأسبوع الماضي ، بمتوسط استقبال طفلين في اليوم . هذا عن الخرطوم ! وفي الخرطوم الحالات التي يتم التبليغ عنها فقط ! ..فما بالكم عن الذي لم يتم التبليغ عنه ، وما بالكم ببقية الولايات ؟!.
وعن تعاطي الخمور ، تقرير منظمة الصحة العالمية قبل ثمانية أعوام ، جاء فيه أنّ السودان يُعتبر في المركز الثاني عربياً في شرب الخمر بعد تونس !!، هذا قبل ثمانية أعوام ! كيف يكون حالنا اليوم؟! والخمور المستوردة َوالبلدية في زيادة يومية؟!.
وعن تعاطي المخدرات كشفت تقارير رسمية سودانية للعام الماضي 2021 عن دخول 13 ألف حالة تعاطي للمخدرات الي مراكز معالجة الإدمان ، تترواح أعمار المتردِّدين عليها مابين 14إلي 24 سنة، جميعهم في المراحل الدراسية المختلفة . وخلال هذه السنوات تفشّت ظاهرة ترويج وتعاطي المخدرات مثل البنقو و"الترامادول"، وظهور أنواع جديدة خطيرة مثل "الآيس" والذي من مخاطره أنّ إدمانه يتم من أوّل جرعة، وسهل التناول ! .
وخلال السنوات الماضية وحتى الآن تتصدّر الأخبار ضبطيات كبيرة ومخيفة من المخدرات، غالبيتها تُباع بواسطة شبكات إجرامية ، تنشط في تهريب وتخزين وتوزيع أنواع خطيرة منها، يعينها في الداخل تجار مخدرات كبار ، للأسف ينظر إليهم المجتمع في الظاهر أنهم وجاهات المجتمع من حيث ما يملكونه من عمارات فخمة وعربات فارهة وحدائق غنّاء ، ويد سخيّة تدفع وتتبرّع لتغطي سوءاتها !! .
حاويات دخلت هذه البلاد عبر الموانئ .. وللأسف الشديد حتى الآن لم نسمع عن أي محاكمات رادعة يتعظ منها الغير بعدم إدخال مثل هذه السموم المدمِّرة للعقول والأُسر والمجتمعات ، والتي تستهدف شباب السودان !… الشباب هذا المورد البشري الفعّال.. الخلّاق.. المبدع… الذي أثبت نجاحه وشطارته في كل الدول من حولنا .. هو يُدمَّر عقله بخطّة جهنمية، ليكون الخاسر السودان !! ، ومن نجَا وتربّى على سلوكٍ قويم ، واستمر في سلك التعليم فجامعته مغلقة ، ويتأخّر في التخرج السنوات، بسبب الإضطراب السياسي وعدم استقرار العام الدراسي !.. وفي الحالتين هو "ضايع" !
كل هذا الذي يحدث في ظل خلل سياسى واقتصادي كبيرين ، أدى لإخلال كبير في الأمن. وبسبب هذا الخلل السياسي إنشغلت قوات الشرطة عن مهامها الرسمية للقيام بدورها في منع وإكتشاف الجريمة وتقديم الخدمات للجمهور حتى اختلّت هي الإخري !
إذ أنّ وضع تلك القوات في الإستعداد لمتابعة ومراقبة المظاهرات والتعامل معها يهدر كثيراً من وقتها ، وإرهاقها ، ونقص الخدمات في مكاتب البلاغات وتأمين الأسواق والمرافق الإستراتيجية والخدمية ، وتعطيل مصالح المواطن ، ونقصها يومياً بسبب الإصابات في العمليات، والأرانيك المرضية والراحات ، الأمر الذي يؤدي لعجز كبير مرير في يومية تمامها . أما الخلل الإقتصادي ، فمعلوم أنه كلما تردّي الإقتصاد انتشرت جرائم السرقة والغش والاحتيال والابتزاز والنهب والقتل، وتفشّت العطالة التي تقود لارتكاب تلك الجرائم .
إنّ إنشاء إدارة للشرطة المجتمعية هي ترسيخ لعلاقة متينة بين الشرطة والمواطن ، وهي موجودة على مستوى الدول العظمى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا . والشرطة المجتمعية تساهم في تحسين العلاقة بين أجهزة الشرطة والبعد الإجتماعي ، وإزالة التوتر بين رجال الشرطة والمواطنين ، وتنمية شعور المواطن بالمسئولية في اتجاه مواجهة الجريمة، مما يساعد الشرطة في أداء مهامها، وكذلك تزيد من رغبة المواطن في التطوع بالعمل مع الشرطة. فالعملية الأمنية هي دائرة ، نصفها الشرطة بمؤهلاتها وتدريبها وعتادها ومركباتها.. ونصف الدائرة الآخر هو المعلومة التي يأتي بها المواطن، وتكتمل حلقة الأمن، لاكتشاف كل جريمة بكل سهولة ، ويعم الهدوء والإطمئنان.
وليست الهياكل الإدارية وحدها هي التي تبسط الأمن في أرجاء البلاد . نحن لدينا مواقع شرطية تغطي المحليات والمدن، ومباني في معظمها جميلة وأنيقة … لكنها للأسف الشديد تفتقر للقوة البشرية ، في المؤهل والكم !…
نحن ومنذ سنين طويلة نعاني عجزاً مريراً في كافة إدارات وأقسام الشرطة، وبسبب العزوف عن العمل في الشرطة بدأ ينضم للشرطة الفاقد التربوي الذي لا يحمل شهادة أساس ! ، ولا إرادة وطنية.. ومرّات بدون رقم وطني حتى ! ، فقط نهتم بالكَم لنقول "خرّجنا كذا "!
وهذا له مخاطره الكبيرة في تسلُّل ذوي الأغراض الدنيئة للعمل في الشرطة ، وبالتالي يؤثر سلباً في العمل الجنائي ، ويكون مدعاة للفساد والرشاوي وضياع القضايا وحقوق الناس ، وبدلاً من المساعدة في استتباب الأمن يكون مثل هذا النوع هو أوّل من يُخل بالأمن… والشواهد كثيرة !!. وينكشف أمره ، ويتم فصله… وقبل مضى العام تكون كل الدفعة تم فصلها بسبب سوء السلوك .. ونكون أهدرنا أموالاً طائلة في التدريب !! دون نتيجة.. بل عادت على الشرطة وبالاً وخسراناً .
وإضافة للعجز في القوات والعزوف عن العمل في الشرطة، وتساقُط القوة بسبب إنتهاء الخدمة ببلوغ سن المعاش، بسبب إنتهاء عقد الخدمة ، وأحياناً بسبب الإستقالة ، فللأسف الشديد معظم أقسام الشرطة تنقصها المعينات ، أبسطها عربات الحوادث !!.
عادي جداً وداخل العاصمة الخرطوم ، إنْ حضر مواطنٌ مبلِّغاً عن سرقة مثلاً، أن نقول له جهِّز لنا العربة لزيارة محل الحادث ، أو القبض على المتهم !!….وعادي جداً عند التحري أن نقول للشاكي وفِّر لنا باكتة ورق لنتحرّي معك!…. وعادي جداً نشاهد رئيس القسم، وعند كل صباح ، برتبة الرائد شرطة يأتي للعمل بالمواصلات ! ، وزيه الرسمي داخل حقيبته، الأمر الذي يفقد هيبته وسط المواطن !.. ودعك من صغار الضباط بالمئات الذين يركبون المواصلات !!.
أمّا المرتبات.. فالزيادات الأخيرة السوق قد ابتلعها !! … تخيّل متوسط " يومية" سائر الضباط والصف والجنود ما بين ألفين ونصف جنيه إلى خمسة آلاف جنيه !!. "يومية" لشرطي يُفترض فيه الأمانة والنزاهة وبسط الأمن والتمهيد لطرق العدالة، والتعرُّض للمخاطر ، حتى لو أدى ذلك للمجازفة بحياته ! .
أخي وزير الداخلية :
إنّ موقفك وقرارك الشجاع بالأمس دعاني اليوم لأن أخصِّص هذا القيد للداخلية .. لأقول…وبكل الصراحة.. لن ينصلح حال الشرطة ما لم يتم الآتى :
() ضرورة التصديق بمرتبات مجزية للشرطة، تُغري الشباب المؤهل للإنضمام في صفوفها ، بأقلّاه الشهادة السودانية نجاح ، شريطة إجراء الكشف الطبي الشامل والفحص الأمني والفيش لاختيار القوى الأمين، لنضمن بذلك الدخول للشرطة بالنوع ذو الخُلُق القويم المؤهل .. لا الكم . مرتبّات يتم المصادقة عليها والمسئولية الجسيمة التي تقع على عاتق الشرطة، لا المقارنة مع أي قوات أخرى . فرجل الشرطة يُفترض فيه العمل 24 ساعة.
() ضرورة توفير كل الإمكانيات من مركبات للعمل الجنائي والإداري وترحيل القوات ، ضباطاً ورتب أخرى من وإلى مواقع العمل ، فالمرتب يوازي بالضبط "الفطور وحق المواصلات"!، وفوق ذلك هيبة الضابط تُفرض على المجتمع احترامه .
() ضرورة الحماية القانونية في حالة أداء الواجب ، فالشرطي وبسبب عدم توفُْر الحماية القانونية أمسى يتحاشي الأمور التي تدخله في إيقافات ومجالس تحقيق يترتب عنها محاكمات وعدم ترقى وأحياناً فصل من الخدمة وسجن !.
() ضرورة نزول القادة وتفقد القوات ، في العاصمة والولايات، والتفاتيش الدورية، والإهتمام بأمر منسوبي الشرطة المعاشي والصحي وتعليم الأبناء ، وتفعيل الجمعيات التعاونية ، وتسخير كافة استثمارات الشرطة في الرئاسة والولايات للقوات للتفرُّغ لمهامها الرئيسية وتنفيذ شعارها (الشرطة في خدمة الشعب) بدلاً عن إنشغالها بالبحث عن سد "فَرَقَة" قوت يومها ! بأعمال هامشية أثناء وبعد ساعات العمل، فالشرطي بنص القانون يُفترض أن يكون في الخدمة 24 ساعة ، إن وجد أقل متطلبات الحياة متوفرة له ولأسرته .
() ضرورة استمرار التدريب ووضع الميزانيّات المخصصة له، والتدريب هو أساس أي عمل ناجح ، وهو الذي يحقق التطور والتقدم في كل الشؤون الخدمية والإنتاجية والدفاعية .
() ضرورة أن تقوم الشرطة بواجبها كاملاً ، دون مساعدة قوات أخرى ، ولا بد من إيقاف "نغمة " القوات المشتركة في حملات الشرطة، ومطاردة الشرطة العسكرية للمواطن ، فعدم التخصص في القبض والتفتيش وطريقة ضبط المعروضات ، قد يؤدي لتجاوزات في إصابات للمهتمين أو فقد ممتلكاتهم ، دون معرفة الفاعل من تلك القوات، فحصر العمل الجنائي على الشرطة يحدد مسؤوليتها وتحمّل نتائجها كاملة إيجاباً أو سلباً، وهذه القوات المشتركة عادةً لا تأتي برغبتها مالم تطلبها قيادة الشرطة لسد عجزها الذي أشرنا لمعالجته أعلاه .
نسأل الله الإعانة والسداد للشرطة السودانية في ظل هذه الظروف الإستثنائية المفصلية