الرئيسية » المقالات » قيد في الأحوال[لواء شرطة(م)عثمان صديق البدوي]لعناية مجلس الامن والدفاع..إقرأوا مافي دفتر أحوالنا مرّة !!

قيد في الأحوال[لواء شرطة(م)عثمان صديق البدوي]لعناية مجلس الامن والدفاع..إقرأوا مافي دفتر أحوالنا مرّة !!

شرطة(م)عثمان صديق البدوي

" لوقف نزيف الدم يجب القصاص..أو العفو "فقط" من أولياء الدم"
إنّ فرض هيبة الدولة في أي بلد من البلدان ليست عطيّة أو هبة من الحكومات ، بل هو واجب يمليه الدستور والقانون،
ويجب عند الإخلال بالأمن ، أو مجرّد احتمال وقوعه ، استخدام القوة اللازمة، والتدخل السريع لحفظ الأرواح والممتلكات ، والتصدي لكافة أشكال الانفلاتات ، وحماية المواطنين المعتدي عليهم .
شهدنا وشهد العالم من حولنا تزايد الانفلاتات الأمنية المريعة في الآونة الأخيرة ، في أجزاء واسعة من إقليم دارفور ، في وسطه في نيرتتي ، وفي شماله، في كبكابية وكتم والفاشر، وفي جنوبه في قريضة، وفي غربه في بيضا ومستري ، وكرينك، وجبل مون وغيرها ، وفي شرق السودان احتدم الصراع ، في بورتسودان ، وفي كسلا . وفي غرب كردفان وجنوبها. وفي نهر النيل في الدامر ، وأخيراً في النيل الأزرق ، مازالت آثار حرائقه باقية.
فقد خلّفت هذه الأحداث مئات القتلى والجرحى وحرق القرى وأقسام الشرطة والمحليات، وتخريب الزرع ونفوق الماشية ، في مناظر يندى لها الجبين تندّدها وتستنكرها الإنسانية جمعاء .
كل هذا الذي يحدث، ومازال يحدث ويتكرّر ، يتطلّب من الدولة تغيير كل الخطط الأمنية "الروتينية" السابقة ، من تحريك القوات بعد "وقوع الفأس في الرأس".. و تصل القوات موقع الحدث… وتستعرض آلياتها ومحركاتها …. وأيام ويتم سحبها للمركز .
يجب أن تكون هناك قوات خاصة مشتركة متدرِّبة على فض النزاعات القبلية، متمركزة في رئاسة كل ولاية من ولايات السودان ، مُجهّزة تحهيزاً كاملاً ، تُمنح لقائدها سلطات واسعة وتفويض للتدخل السريع والمباشر لحماية الأرواح والممتلكات ، ولا ينتظر تعليمات المركز ، والتعامل مع كل معتدٍ يُعكِّر صفو الأمن ونشر بذور الفتنة بكل حسم وقوة، حتى لو أدّي ذلك إلى المجازفة بحياة القائد، أو حياة المجرمين.
كما ويجب تفعيل العمل الجنائي ، ليكون موازياً للعمل الميداني والأمني، وأن تقوم الشرطة بواجبها كاملاً ، من فتح البلاغات ، والقبض على المتهمين ، وإسعاف الجرحى ، واستخراج أرنيك 8 لتدوين القرارات الطبية في حالة الإصابات ، لحصر تلك الحالات وإثبات إدانة المتورطين فيها وحفظ حقوق المصابين
وكذلك قرارت تشريح الجثث في حالات القتل ، وتحديد سبب الوفاة من خلال ذلك التشريح ، والشروع في حصر المعروضات وتحريزها، وتقسيم التحري لفريقين (أ) و (ب) وأخذ أقوال المتهمين والشهود ، لإنجاز المهمة في وقت وجيز ، وتلخيص التحريات ورفعها للمحكمة تحت إشراف النيابة ، كما ويجب أن يصدر قرار بتشكيل محاكم خاصة بالصراعات القبلية في كل رئاسة ولاية ، وكذلك نيابات خاصة ، لتكون عظة لكل من تسوِّل له نفسه نشر الفتنة وترويع المواطنين العزّل
فقد استمرأ الناس مثل هذه الأحداث وأصبح البعض يستغلها للكسب الرخيص، والشهرة والتلميع ! ، وقد شهدنا في السابق وقوع القتل والحريق والنهب والسلب ، وبعد أيام يتحرّك وفد من المركز ويجلس مع النُّظار والعمد والشرتاي ، وتُعقد مؤتمرات الصلح ، وتدفع الدولة الديّات التي يصل منها لأولياء الدم "فتات القروش"، الذي لا يكفي لبناء راكوبة ، ناهيك من تقييم روح إنسان لن تُعُد للحياة، الأمر يكون مدعاة للمفسدة وتبديد المال العام !! .
وتصريح وتصريحان من مسئول في أخبار العاشرة ، وآخر من ناظر قبيلة "بأن الأمور عادت لطبيعتها وأنّ القبيلتين أصبحتا في تعايش سلمي".. وما تمضي أيام من دفع تلك الديات و"الطبطبات" والتصريحات حتى يظهر مسلسل جديد من القتل الشنيع والحريق الفظيع في منطقة أخرى ، ذلك لأن المجرم لم يمسه سوء ، ولن يمسه لطالما أنّه يدرك أنّ النهايات تفضي لمصالحات ودفع ديّات !
وقد كتبنا مراراً ، وحتى لا يستغلها ويستمرأها بعض الطامعين ، وحتى لا تكون فاتحة شهية للمجرمين ، ومزيداً من سفك الدماء ، يجب عدم أي تدخل من الحكومة في حالات الديات ودفع الخسائر، وأنّ المحاكم هي الفيصل والسبيل الوحيد للردع . وبعد إعلان حكم الإعدام ، وتحريك المجرم نحو حبل المشنقة، فالخيار بالعفو من عدمه هنا لأولياء الدم فقط… لا لناظر قبيلة ولا الشرتاي. أولياء الدم هم وحدهم الذين يملكون حق تنفيذ القصاص أو قبول الدية أو العفو عنهم ، حسب ما أمر به الشرع والقصاص الذي قال الله فيه (ولكم في القصاص حياةٌ يا أولى الألباب )….. حياةٌ لأنه إذا تم تنفيذ حكم القصاص في مجرم واحد سيتعظ الباقون.. وسيتوقّف القتل… وتسير الحياة هادئة مستقرة.
في يقيني ، وتجربتي المتواضعة ، أنه لا سبيل غير أن يتماشي الردع الأمني والقضائي معاً، حينها لن تتجرأ قبيلة بالتعدى على أختها. وقتها يعرف كل متسلِّط ويلزم حده ، وبهذا يأمن المواطن البسيط المسكين شر كل متجبِّر يعيث في الأرض الفساد .
وتتطلّب مثل هذه القرارات الحاسمة الرادعة ولتنفيذها على أرض الواقع حماية القوات المشاركة في فض هذه النزاعات قانونياً ، ففي السابق كان قادة هذه القوات يتردّدون في التدخُّل والحسم ، لأنه بعد فض النزاع مباشرةً تطالهم الإتهامات بأنهم أفرطوا في استعمال القوة ، ونرى ما نرى من إيقاف وتحقيق ومحاكم للضباط قادة السرايا والفصائل في قضايا ليس لهم فيها أي يد سوى تحريكهم لبسط أمن وهيبة الدولة. وكم من ضباط تم فصلهم من الخدمة بسبب ذلك ، وكم من تأخّر عن الترقية بسبب ذلك ، لذلك كان التردُّد ونأي الضابط بنفسه عن تلك الاتهامات التي سيوضع فيها "لا إيدو لا كراعو"!
كما وأنه يجب على الدولة أن تضع يدها على أسباب الصراعات القبلية وتشرع في حلّها فوراً، ومعلوم في دارفور أنّ معظم أسباب هذه النزاعات هو الصراع حول المراعي والمياه، وإن ظهر الآن الصراع حول الذهب ، فقد آن الأوان أن تكرِّس الدولة كل جهدها بإنشاء سدود وحفائر حديثة وخزانات بمواصفات علمية، فمياه أمطار تلك المناطق كفيلة بأن توفّر ملايين الأمتار المكعبة من المياه طيلة العام
علماً بأنّ هناك تجربة رائدة في جنوب دارفور في عملية حصاد المياه حيث تتولى منظمة zoa الهولندية هذا المشروع وقد استهدفت أربعة أودية هي وادي نيالا ووادي أندر ووادي تون كتر ووادي دومة، ولو تم تنفيذ هذا المشروع الهام وتعميمه على كل إقليم دارفور فقطعاً سيكون هناك إستقراراً تاماً للرعاة والمزارعين، ونقدِّر جداً مجهودات حاكم الإقليم، السيد مناوي هذه الأيام، بإشرافه الشخصي على سد شعيب وبعض السدود الهامة . ومن أسباب تلك الصراعات في بعض مناطق السودان الأخرى هو النزاع حول الأراضي وسعي كل جماعة أو قبيلة لتكوين عمودية أو إمارة وتنصيب زعيم لها، بالرغم من ضبابية قانون الإدارات الأهلية، والتصديق لقبيلة، دون غيرها.
عموماً … كل شيئ ممكن إذا توفّرت الإرادة الوطنية المخلصة السمحة الباذلة المتجرِّدة من الأهواء والمحاباة.
نسأل الله العلي القدير أن يحفظ وطننا السودان من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وأن يكون آمناً مستقرا .
والرحمة والمغفرة لكل فقيد ، وأحر التعازي لكل من فقد عزيز لديه، وعاجل الشفاء للجرحى.
اللهم إني بلّغت فاشهد