مهدِّدات حقيقية ظهرت في الساحة السودانية لتعيق وتعطِّل عملية الانتقال التي يُفترض أن تقود إلى انتخابات عامة وإقامة سلطة مدنية، وأهمها الأزمة السياسية الحادّة والخلاف الشديد بين السياسيين ، والوضع الاقتصادي الذي بلغ أقصى مداه وعمّق من معاناة المواطن دون أن يكون هناك بصيص من الأمل ، واتساع دائرة التفلتات الأمنية ، وتنامي الصراعات القبلية والجهوية ، بنشوبها معدّل كل شهر ، وتعدُّد الجيوش على الرغم من الإتفاق إلى تكوين جيش قومي بعقيدة واحدة ، وعدم اكتمال عملية السلام بشكل كامل ، فما زالت هناك حركتا عبد الواحد والحلو تناوشان . وفوق ذلك كله، فقد زادت الكوارث الطبيعية الطين بلّة، حين أضحت آلاف الأسر بدون مأوى ، حيث مئات القرى مُسِحت من الخارطة السودانية ! .
إذن الوضع مأساوي وخطير للغاية . بعض السياسيين يريدون للجيش أن يبتعد عن المشاركة في الفترة الإنتقالية ، والجيش من يوليو الماضي قد وضع الكرة في ملعب السياسيين ، ليتفقوا ويشكِّلوا سلطة مدنية تدير باقي الفترة الانتقالية ، وشهران مضيا من الزمن بدل الضائع ، ولم يحدث شيئ . والسواد الأعظم من الشعب السوداني يئس، وسئم الخروج ، وهو في حسرة وندم ويقول في قرارة نفسه “قلبي علي جناي.. وقلب جناي من حجر”!
والوضع الداخلي على هذا الإنهيار السياسي والإقتصادي والأمني وعلى حافّة الإنحطاط الأخلاقي ، وبعض الأحزاب مازالت في “النغمة”! ، الجيش لا يملك شرعية لقيادة الفترة الإنتقالية ؟! ، ومن يملك الشرعية من الأحزاب؟؟؟!!! . فليتقدّم رئيس حزب واحد ممّن يدّعون رئاسة الأحزاب الآن أنه انتخبته قاعدة جماهيرية ؟!… إذن لا رؤساء الأحزاب جاءوا بشرعية ، ولا الجيش جاء بالشرعية المفتري عليها ! ، في ظل حال مزري لمواطن غلبته “لقمة العيش”! … ولا حال ولا سبيل غير أن يجلس الجميع حول “صحن فتّة فول كبير” وكل من يرغب في المشاركة ، أن يأتي برغيفته و”يفتّها” مع إخوانه… و”أكلوا أخوان” و”اتحاسبوا تُجّار” “وزوول سائلكم مافي”!… المهم أن تُخرجوا هذا البلد من هذا المستنقع “العفِن ” ، وتجفِّفوه.. وتنظِّفوه ، وتنشئوا مؤسسات الفترة الإنتقالية، لتثبِّتوا أركان البيت الآئل للسقوط ! ، والذي هو على حافّة الهاوية !.
هذه الهاوية، والخطر الذي استشعره قرنا استشعار أمن أكبر دولة في العالم” أمريكا”، وجاءت بسفيرها وثُقلِها لتُخرِج السودان إلى بر الأمان !.. ليس حباً في عيون أهل السودان !.. بل لأنّ المسألة “جاتا في رقبتا”! … وأمس بغداد احترقت ، ولاتريد أمريكا تجربة مُرّة أخرى !، وروسيا عينها على موانئ السودان.. والحرب العالمية الآن هي حرب المياه والموانئ، والدول الكبرى وحلفاؤها، مستعدّون أن يدفعوا “دم قلبهم” مقابل أن يكون لهم موطأ قدم في موانئ السودان!… موانئ السودان العذراء البكرة. ومدائن السعودية المُطلة على البحر تُعايِن لموانئ السودان كأم العروس !..
والمصلحة العليا حتّمت عليها هي الأخرى أن تتدخّل في مؤتمر “جدة” بعد أيام ، ولأول مرّة تشاور فيه “أبو العروس” ! ، وتدعوه لحضور مراسم العقد ! حيث بدون موافقة السودان لا يقوم عرس، وبدون ذهاب قائد الجيش البرهان، لن تسمح جماهير شرق السودان بإقامة عرس في بورتسودان ، وبشروط ترضي الشرق ! … والدُّب الروسي على وشك أن يهجم! ، بعد الجلوس مع لجنة وزارية سودانية في موسكو قبل أيام !.. لذلك تدخّلت أمريكا والسعودية ومن ورائها دول الخليج لتوقف هذا الهيجان ! .
و الفرصة الأخيرة.. والآن أمام السودان.. أن يكون.. أو لايكون ، بأن يشكُّل فرقاؤه حكومة بالحد الأدنى ، ومن لا يرغب في المشاركة في الفترة الإنتقالية ، يذاكر من الآن للإنتخابات ويجهز نفسه ليقود السودان من واقع شرعية حقيقية، شرعية ينشدها كل حزب ” ليشيل نفسه بنفسه”! ، ويعرف كل حزب قيمة نفسه في الشارع السوداني وحجمه ومقداره ! ، لا حول غطاء التكتّلات الحزبية “قوى الحرية”! و”قوي الثورية”! و”التجمع المهني”! و”الجبهة الثورية”! .. وخلافه ! …. هذه التكتّلات لا يمكن تسجيلها لدى مسجل مفوضية الإنتخابات ، وسيرفضها، وبالقانون ، من أوّل وهلة !، ومعلوم تعريف الحزب قانوناً ، فهي مطلوبة لاحقاً بعد فوز كل حزب ليأتلف أكبر حزبين فائزين لتشكيل الحكومة والبرلمان ، أو تتجمّع الأحزاب الفائزة ليكون لها النصيب الأكبر في الحكومة والبرلمان ! ، أمّا الآن، فعلي أي حزب أن يعتلي المنبر السياسي لوحده ، ليعرف الشارع مقدرته وإمكانيّاته ، لأنه سيدخل الانتخابات لوحده !، وهي كالامتحان… ويوم الإمتحان يكرم الحزب أو يُهان !
وانتهى البيان.. ولا مجال للرجوع للخلف و”اللف والدوران”..ومن الآن فصاعداً… أي “رخوة” ، هي الخسران… الخسران يا سودان !!