معلوم أنّ البعثة الأممية “يونيتامس” قد دخلت السودان بقرار مجلس الأمن رقم 2524 ولمدة عام واحد ، دون أخذ رأي السودان ، ومهمتها هي ، المساعدة في تحوُّل البلاد إلى حكم ديمقراطي ، ودعم السلام والوحدة، والمساعدات الإقتصادية. وانتهت فترتها دون أن تقدم أي شيئ من الذي أُوكِل إليها !
آخرها فشل مبادرتها الثلاثية، والتي أعقبها قرارات البرهان في يوليو الماضي، بعدم مشاركة المؤسسة العسكرية في مفاوضات “الحوار الوطني”، لإفساح المجال للقوى السياسية لتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة، تتولى مهام باقي الفترة الإنتقالية . ومضى على تلك القرارات الشهرين، في الوقت الذي بدأ فيه الدب الروسي يتقرّب نحو الخرطوم ، وعينه على الذهب والموانئ !
وقد ظهر ذلك جليّاً ، بإنعقاد اللجنة الوزارية السودانية الروسية المشتركة بالعاصمة موسكو ، قبل أيام ، وطرحت المشروعات الإقتصادية على الطاولة . في الوقت الذي فيه كان القطب التقليدي “الأمريكي” يراقب الموقف عن كثب ، وحتى يقطع الطريق أمام ذلك التقارب الروسي ، كان القرار بوصول أول سفير أمريكي للخرطوم، بعد أكثر من ثلاثة عقود من القطيعة
الأمر الذي يؤكد أنّ السياسة الأمريكية تجاه السودان بدأت تأخذ طابع المهادنة ، وإعطاء الأولوية لتثبيت الإستقرار في السودان ، وأنه في ظل تردي الأوضاع السياسية والإقتصادية، سيقود ذلك لتهديد الأمن الداخلي وبالتالي التأثير على المحيط الإقليمي ، ودخول قوى أخرى غير مرغوب فيها من الجانب الأمريكي .
وعلى إثر هذه الروح الأمريكية الجديدة تجاه السودان ، دعت قمة مجلس الدول العربية والأفريقية المُطِلّة على البحر الأحمر وخليج عدن ، دعت البرهان رسمياً للمشاركة في القمة المنعقدة في جدة يوم الثامن من سبتمبر المقبل ، وعينها على موانئ السودان ، الحلم الروسي الأبدي !!
وفي ظل هذا التقارب الأمريكي والخليجي نحو المكوِّن العسكري ، أصبح رئيس البعثة الأممية “فولكر” في موقف لا يُحسَد عليه ! ، وبعد أن تمنّع عن المشاركة في مبادرة “نداء أهل السودان” ، إذ تأتي الأخبار أمس بذهاب “فولكر” للقصر الجمهوري ! ، وعقد لقاء مع الفريق أول ركن ياسر العطا عضو المجلس السيادي ، وخرج اللقاء باتفاق على ضرورة الوصول لحل سياسي في أقرب وقت ممكن وعودة السودان لحكم مدني، يقود لانتخابات ديمقراطية !.
سبحان مغير الأحوال !! .
والناس على ذاك الحال ، وحسب صحيفة السودان الحرة، نقلاً عن مونتي كاروو ، يأتي الخبر المفاجئ ، بأنّ وفداً رفيع المستوى من وزارة الداخلية ، قد غادر إلي الولايات المتحدة الأمريكية ، لحضور قمة الأمم المتحدة الثالثة لرؤساء الشرطة وكبار ممثلي المنظمات الشرطية الإقليمية والمهنية، وذلك بمقر الأمم المتحدة يومي 31 أغسطس و 1سبتمبر، للمشاركة في تعزيز السلام والأمن الدوليين. ويضم الوفد سبعة أعضاء من قادة وضباط الشرطة بقيادة وزير الداخلية والمدير العام المكلف، الفريق أول شرطة عنان حامد، تلك القمم التي حُرِم منها السودان زمناً طويلا . وأضاف الخبر ، أنّ تعاوناً استخبارياً وأمنياً يجري تطويره بين البلدين في عدد من الملفات ، وبالتأكيد سيكون للزيارة أثرها في إزالة سوء الفهم الأمريكي تجاه قوات الإحتياطي المركزي التي فُرضِت عليها عقوبات سابقاً.
وتتوالي الأحداث بوتيرة سريعة ، وأمس سلّم رئيس مبادرة نداء أهل السودان ، رئيس مجلس السيادة ، قائمة من خمسة وثلاثين مرشحاً لمنصب رئيس الوزراء لاختيار واحد منهم ، وعلى الفور شكّل البرهان لجنة لتنقيح الأسماء واختيار واحد من بين المرشحين لتقلد المنصب ، وإنهاء حالة الفراغ الدستوري .
وعن موقف الأحزاب ، فأكبرها، وهو حزب الأمة القومي، حتى الوقت القريب كان في موقف رافض لمبادرة نداء أهل السودان، لكن يبدو أنه بعد التحوُّل الأمريكي ، وميله نحو المكوِّن العسكري ، سيميل هذا الحزب هو الآخر نحو العسكر ! وحسب صحيفة الحراك السياسي أمس ، أنّ نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق ، شدّد بأن يكون المترشح لمنصب رئيس الوزراء سياسياً ، بعيداً عن أي إنتماء حزبي ، وأن يكون المتقدم للمنصب من أصحاب (المواقف الإيجابية تجاه العسكر) ، وأضاف :(ما يكون عنده معاهم مشكلة) ،” وأن تكون لديه المقدرة في التواصل مع المجتمع الدولي والمحلي” .
والآن … وبعد تحوُّل المشهد السياسي برمّته !، واحتراق بغداد أمس !وخسارة أمريكا هناك، وعدم الدخول في تجارب جديدة ! هل ستلحق بقية الأحزاب ب”قطار الشوق” الأمريكي الذي (صفَّر )؟!!!!… ويا تُري سيركب “فولكر” القطر .. أم سيتأخّر ؟!.