يُعتبر ساحل البحر الأحمر السوداني ، مِن أهم المواقع الاستراتيجية في العالم ، ذلك لموقعه المُميّز الذي يُعتبَر ممرّاً هامّاً إلى البحر المتوسط والمحيط الهندي جنوباً ، وكذلك قربه من المملكة العربية السعودية، كما أنّ اعتماد الدول الأفريقية المغلقة ، أكسبه أهمية لتصدير منتجات تلك الدول والاستيراد ، وأنه يُعتبر حلقة وصل بين شمال القارة الأفريقية وجنوبها وشرق ووسط وغرب القارة ، سيّما ومجاورته لمصر وليبيا وإثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى ، كما ازدادت أهميته الأمنية والإستراتيجية بما يُعرف بمكافحة الإرهاب العابر للقارات ، وحماية أمن البحر الأحمر الذي تعبر عبره نحو 20٪ من التجارة العالمية ، و30٪ من تجارة النفط .
وبسبب ذلك ، تنامت في الآونة الأخيرة أطماع دولية ، الهدف منها زيادة النفوذ التجاري والعسكري . والكل يعلم ما كشفه موقع “مونيتور” الأمريكي قبل عامين ، عن جهود دولة باتصال مع الحكومة الأمريكية، لدعم خطة شركة موانئ، للاستحواذ على ميناء بورتسودان لمدة عشرين عاما، والكل يعلم تحرُّك تركيا في السنوات الأخيرة ، في منطقة القرن الأفريقي، وامتداد طموحها للسودان ، حتى حصلت على حق تطوير وإدارة جزيرة سواكن في عام 2014 ، وهي من أقدم الموانئ في أفريقيا. ويمتد تسابق الدول الكبرى على استحواذ موانئ البحر الأحمر ،
والجميع يعلم وصول ميناء بورتسودان في العام الماضي ثلاث سفن حربية أمريكية وروسية ، سفينتان أمريكيتان في زيارة هي الأولى من نوعها، والتي أكّدها القائم بالأعمال الأمريكي أثناء استقباله للمدمرة “ونستون تشرشل”، وقبل يوم واحد من وصول المدمرة الأمريكية استقبل السودان الفرقاطة الروسية “أدميرال غريغور” وهي أول سفينة حربية تدخل ميناء بورتسودان في تاريخ روسيا الحديث.
ولتحقيق تلك الطموحات ، فإن القطبين الكبيرين ، أمريكا وروسيا، يريد كل منهما حكومة موالية مطيعة له ، يُنفِّذ من خلالها أجندته الاستثمارية ، وأوّلها الهيمنة على هذه الموانئ الاستراتيجية، ولمّا أحسّا باستحالة قيام حكومة مدنية موالية لأحدهما، بسبب الصراع السياسي العنيف، رغم الدفع الآلي الثلاثي والرباعي !، ومن خلفه أمريكا وبريطانيا ودول الترويكا!
فالأهون لهما أن يسابقا الزمن لتمرير أجندة بالوكالة ، مهما كلّفهما ! ، والشروع في توقيع الاتفاقيات، التي قد بدأ تنفيذها بالفعل ، مع انشغال وغفلة أهلها ، في أكبر مشاريع اقتصادية قومية، هي “وادي الهوّاد” الذي تُقدَّر مساحته بأكبر من مشروع الجزيرة ، “إثنين مليون ونصف فدان” وأكبر مشروع مروي في أفريقيا ، ومثل مشروع خط السكة حديد “بورتسودان أدري التشادية”، الذي تم توقيعه مع شركة الخليج للبترول المحدودة ، وهو مشروع قارّي!.. َتخيّلوا ؟! ، ومثل مشروع “ميناء أبو عمامة”، في أهم موقع استراتيجي يتوسّط مياه البحر الأحمر !.
كل ذلك يتم بوتيرة متسارعة، وعلى مرأي ومسمع من المجلس السيادي الانتقالي، المسئول من حماية هذه الأراضي السيادية والمشاريع القومية ذات الاستراتيجية الأمنية ؟! ، وكل ذلك يحدث ووزارة الدفاع مسئولة من حماية الموانئ المنشئة والمقترحة، والتي تُعتبر قرنا استشعار من كل خطر ومهدد أمني يواجه دولة السودان ؟! .وفوق ذلك كله، فالدولتان الكبيرتان تعلمان أنّ مثل هذه المشاريع القومية، ذات البعد الاستراتيجي والأمني ، لا تتم إلا بموافقة مجلس تشريعي منتخب، لذلك الفرصة مواتية الآن .
وكان الله في عون دولة السودان