الرئيسية » المقالات » قيد في الأحوال[لواء شرطة(م)عثمان صديق البدوي] وادي الهوّاد دفن الليل “أب كُراعاً برّا”!

قيد في الأحوال[لواء شرطة(م)عثمان صديق البدوي] وادي الهوّاد دفن الليل “أب كُراعاً برّا”!

شرطة(م)عثمان صديق البدوي

في الوقت الذي تعيش فيه البلاد في فراغ دستوري ، وبدون مجلس وزراء متوافق عليه، وَبدون مجلس تشريعي ، تأتي الأخبار قبل أيام  كالآتي : (إنّ  مجلس السيادة الانتقالي برئاسة عبد الفتاح البرهان ، قد وافق  مبدئياً  على تسليم مشروع ( وادي الهوّاد) الواقع في ولاية نهر النيل للحكومة الإماراتية. وأفادت  صحيفة الحراك السياسي الصادرة ، الأحد ، أنّ اللجنة الفنية التي كوّنها البرهان منذ نحو عامٍ ، لإجراء دراسة الجوانب الفنية لقيام المشروع، رفعت تقريرها إلى المجلس، وسلّمت نسخة أخرى منه إلى مجلس الوزراء، لبدء الملاحظات حوله ، ومن ثمّ عقد المجلسين اجتماع لإجازة التقرير بالصورة النهائية ومن ثم تسليم مشروع وادي الهواد إلى دولة الإمارات)
-إنتهى الخبر-
   مشروع وادي الهوّاد المزمع قيامه، يقع في ولاية نهر النيل، بمساحة إثنين مليون وأربعمائة ألف فدان ، وهو أكبر الوديان التي تشُق سهل البطانة، وينتهي مصبّه في منطقة كبوشية، ويُعتبر المشروع المقترح، أكبر من مشروع الجزيرة، وأكبر مشروع مروي في أفريقيا، وقد أُجريت دراسات ومسوحات سابقة أثبتت خصوبة الأرض العالية فيه، مما تم تصنيفه من أكبر المشاريع القومية في السودان .
 إنّ وادي الهوّاد الزراعي له مواطنين مُلّاك يستفيدون من هذا الوادي منذ مئات السنين ، ولهم مستندات تؤكد ملكيتهم لتلك الأراضي الزراعية قبل استقلال السودان ، كما أنّ هناك  عشرات الآبار و”الدوانكي” حول هذا الوادي، وعشرات القرى والفرقان التي يعتمد أهلها هناك على زراعة الذرة والرعي، وقيام مشروع بهذا الحجم، يحرم  مئات المزارعين والرعاة من مصادر رزقهم، إن لم يتم إشراكهم وتثبيت حقهم التاريخي.
  إنّ  الحكومات المتعاقبة درجت على إقامة المشاريع القومية في ولاية نهر النيل دون إعطاء أي اعتبار لسكانها، في الوقت الذي  يتم  التفاوض في مثل هذه الحالات في  الأقاليم الأخرى ! . فقد فتحت هذه الولاية أبوابها للإستثمار في الذهب دون شروط مسبقة ، حيث تُنقِّب الحكومة بشركاتها منذ سنين  ، ويُنقِّب الناس  من كافة أرجاء السودان ، ومن خارجه !. لكن عندما يأتي الأمر  في أخذ أرض المواطن الزراعية التي توارثها أباً عن جد وقام بتسجيلها رسمياً ، وفيها معاشه، هذا لعمري فيه استخفاف بأولئك المُلّاك وأصحاب الأرض ! .
 إنّ أهل نهر النيل مع أي مشروع وطني قومي يصب دخله في خزانة البلد ، ومع أي إستثمار  عربي ، لكن مع حفظ حقوق هؤلاء المُلّاك ،فمشروع بهذه الضخامة وهذه الأهمية كان يُفترض أن يتم  إشراكهم  فيه . ومشروع بهذه الإستراتيجية القومية  الإقتصادية، يجب أن يتم مصدر قراره  كالآتي  :
() أن يصدر القرار بشأن المشروع  بعد تشكيل  مجلس وزراء متوافق عليه، ليستعرض كل الدراسات والمسوحات السابقة أمامه ، ومن ثم الجلوس مع مُلّاك الأراضي الذين بحوذتهم مستندات تؤكد ملكيتهم وتوضيح الشراكة بينهم والحكومة والجهة المستثمرة .
() أن يقوم مجلس الوزراء المتوافق عليه ، وبعد نقاشه المستفيض ، برفع تقرير مستوفي مع التوصية للمجلس التشريعي ، الذي هو وحده الجهة التي تنظر  في أمر المشاريع الوطنية الإستراتيجية  القومية، علماً بأنّ مثل هذه المشاريع الكبيرة مربوطة مع الإستراتيجية الأمنية الإقتصادية للبلد، ويجب ألا يُستهان بها، أنّها مجرّد توقيع، وكرم حاتمي !!، هذا مستقبل أجيال، وسيادة بلد ، يجب عدم التفريط فيه، وسرعة التوقيع، ثم الندم !.
  من كل ما أوردناه، إنّ أي خطوة  يخطوها القائمون خلاف ذلك ، فهي “دفن الليل أب كِراعاً برّا” ! .. و”النّي للنار”.. وأهل نهر النيل يتجاوزون أي استثمارات من ذهب ، تعود عليهم مخلّفاته بالأمراض.. ومصانع أسمنت، بَنَت وتبنِي كل السودان ، ويسبب غبار بعضها  ” أمراض الربو” ،هذا إضافة للمهددات الأمنية التي يجلبها التعدين العشوائي، والجرائم الدخيلة على المجتمع، كل ذلك من أجل الوطن ، الوطن ، الذي تغنَّي له مغنّيهم قبل عشرات السنين  :
 كل أجزائه لنا  وطن
 ثم بعد ذلك كله،” لا حميدة لا شكيرة “! .
 إنّ  أهل  نهر النيل يتجاوزون كل ذلك، إلّا  (الطِّين) ! .
وللمصلحة الوطنية القومية، نرجو  أن يُرجأ أمر  مشروع الهوّاد الزراعي برمّته، لحين قيام مجلس وزراء  متفق عليه، يوصي، ولحين قيام مجلس تشريعي يوافق.
اللهم بلَّغت  فاشهد