إنّ قدَر السودان أن تكون فيه نزاعات أفرزت نزوحاً ، واضطرابات حوله نتج عنها لجوءا ، صحبت بعضها عادات وإفرازات منها صناعة الخمور. وتكثّف الشرطة حملاتها علي تلك الأماكن ، ولكن لا تستطيع محاربتها نهائياً ، النازحون واللاجئون في تزايد وتوالُد مستمر
وطبيعة السكن العشوائي ذو الشوارع الضيقة والأزِقّة تحول دون دخول عربات الشرطة الأمر الذي يعرضها لبعض المخاطر من أولئك القاطنين
جاءت ثورة ديسمبر ، وألغت قانون النظام العام لما فيه من سلبيات أثناء التطبيق . لكن تبقى الخمر ، هي الخمر التي وراء كل الجرائم ، وهي أم الكبائر ، بل كان إلغاء قانون النظام العام رغم عِلّات بعض مواده ، كان إلغاؤه فاتحة شهيّة للشراب والسّكَر وضح النهار ، فلابد من معالجة جذرية طالما أنه تم إلغاء هذا القانون وإغلاق أقسام أمن المجتمع وتوقُّف حملات الخمور .
لابد للدولة أن تضع خطة عاجلة لمعالجة ظاهرة انتشار الخمور بغياب النظام العام وأمن المجتمع رغم سلبياته في التطبيق ، مع ملاحظة توافد النازحين واللاجئين واحتلال الميادين العامة وسط الأحياء وفي العمارات تحت الإنشاء دون مشاورة أصحابها في أغلب الأحيان ، هذه الأماكن إضافة لصناعة قاطنيها الخمور فهي لها تأثير مباشر في صحة البيئة بالتبرُّز في العراء ، وانتشار الأوساخ وتوالد الذباب والباعوض ، إضافة لمايسببه هؤلاء القاطنون من عبء جديد على خدمات المواطن من مستشفيات ومخابز وخلافه رغم رداءتها . وفوق ذلك المهددات الأمنية واستخدام تلك المناطق أوكار وملاذات آمنة للجريمة، من سرقات وتفلتات تحدث بين الحين والآخر ، إلى أن تطوّرت لما يُسمّي بالنيقرز و "9 طويلة"!
إنّه ليس هناك دولة في العالم تسمح للاجئين بحق الإقامة داخل المدن وإنشاء مساكن عشوائية ! و قيادات ركشات "كمان" إلّا السودان ! . لابد من حصر شامل لكل اللاجئين والتنسيق مع المنظمات الدولية ومفوضية اللاجئين والعمل الإنساني، التي تتباكي على حقوق الإنسان، لترحيل كل لاجئ وإيجاد معسكرات لهم على الحدود حتى لا يكون اللاجئون عالة على المواطن الذي يعاني شح وتردي الخدمات ، ويجب عدم المجاملة في هذا الشأن، فالمواطن مواطن واللاجئ لا جئ ..والحق حق والفضُل فضُل .
كما أنه يجب مراجعة دور الجهاز التنفيذي لحماية الأراضي وأن توفَّر له كل الإمكانيات وَالصلاحيّات ، للطواف على كل أحياء العاصمة وإخلاؤها من أي راكوبة أو مظهر للسكن العشوائي ، سيمّا وأنّ اللاجئين في تزايد وتوالد ، وأنّ السكن العشوائي مثل السرطان ، إن استفحل فسيصعب استئصاله .. وسينمو ويقوي ..وسيصرع الجسم والمركز ، كما حدث قبل ذلك من احتكاكات خلّفت خسائر كبيرة في الأرواح والآليات ، بل هاجمت أقسام الشرطة وراح ضحيتها ضباط وأفراد ما زال جرحها لم يندمل ،
كما أنّه هناك دور كبير لأصحاب القطع السكنية والمنازل المهجورة والبنايات تحت التشييد وسط الأحياء ، وحتي الذين يؤجِّرون المنازل لصانعي الخمور ، فمهمّتهم بأن لا يسمحوا لأي صانعة خمور أو يعتقد أنها تمارس أي نوع من الرزيلة بالإقامة في تلك المنازل ، وإلّا فإنّ ذلك سيكون وِذر عليهم إلى يوم القيامة ، وستلاحقهم لعنة اللاعنين.
كما وأنه لا يعني إلغاء قانون النظام العام إغلاق أقسام أمن المجتمع وتوقف الحملات على أماكن الخمور ، فالقانون الجنائي يحمل في مواده كل ما يضبط أمن المجتمع.
كما ويجب على الدولة توفير المعينات للشرطة من عربات حوادث وعربات كبيرة للحملات، ومواتر لأفراد المباحث لجمع المعلومات ، وحافلات لترحيل الضباط والتواجد المستمر داخل أقسام الشرطة والإشراف على الحملات. كما وعليها ترغيب المواطن في الإنخراط في سلك الشرطة ، فزيادة المرتبات قبل شهرين قد ابتلعها السوق وغير مشجّعة للعمل في الشرطة ، وبتحسين شروط الخدمة يتجنّد المؤهل الذي يُرجَى منه وإلّا ستكون الشرطة في يومٍ من الأيام كلها فاقد تربوي . كما وأنه لا بد من تفاعل المواطن لمعاونة الشرطة خاصة في العمل الجنائي وذلك بانخراط اللجان الإدارية في الأحياء لتكون الساعد الأيمن للشرطة ، ومدها بالمعلومات عن كل ما يعكر صفو الأمن في الحي ، وهي الأدرى واللصيقة بمواطن الحي .
كما وأنه ولمنع التفلتات المتكررة ، ولحين سد العجز المرير في قوات الشرطة ، الضرورة تتطلب معاونة القوات النظامية الأخرى.
ثم الوجب أن يتفهّم المواطن دور الشرطة والوقوف معها ، وهي في خدمته دوماً، وليس عمل الشرطة هو "درقة وبمبان"!. الشرطة هي بجانب المواطن منذ انطلاق صرخته الأولى وخروجه للحياة باستخراج شهادة الميلاد والرقم الوطني ، والجواز ، وحتى الخروج من المطار ، ثم العودة لأرض الوطن ، وفي حركته من استخراج رخصة القيادة وترخيص العربة والتجديد ، ومن أعمال الجمارك والتخليص ، وخدمة الدفاع المدني والتعامل مع الكوارث والحرائق ، والحياة البرية وتسهيل السياحة. وحتى استخراج شهادة الوفاة. كل هذه الأعمال يقوم بها منسوبو الشرطة يومياً في مجمعات خدمات الجمهور وشتي أقسام وإدارات الشرطة في كل هدوء ومهنية . وفوق ذلك كله واجب الشرطة المقدّس في منع وقوع الجريمة واكتشافها ومحاربة الخمور والمخدرات ومنع التهريب ، وفض النزاعات القبلية.
نحن في ظل هذه الدولة المدنية الوليدة الجديدة ، والتي مازالت تحبو .. و" تتاتي" ! ، لا بد أن يتصالح مجتمعها مع الشرطة وهي منه وله، وكاذب من يقول أنه يستغني عن خدمات الشرطة .
أمس جاء في الأخبار قيام الشرطة والقوات المشتركة بحملة ضخمة لمحاصرة الجريمة والقضاء عليها، وتجفيف منابع الشبكات الإجرامية، وقالت الشرطة عبر بيان لها أنّ الحملات استهدفت منطقتي العزبة ببحري ومنطقة الجغب بالحارة (26) غربي أم درمان ، وأنّ نتائج حملة العزبة أسفرت عن توقيف (122) متهم، وضبط (16) دراجة نارية وعدد (9) ركشات، و (2) تكتك. بينما أسفرت حملة منطقة الجغب عن توقيف (71) متهم، وضبط (17) دراجة نارية و(9) ركشات ، و(6) تكتك، و (5) مركبات غير مقننة، بجانب ضبط (2) طبنجة وكميات كبيرة من الأسلحة البيضاء "سواطير"، كما تمت إراقة كميات كبيرة من الخمور .
ختمت الشرطة بيانها باتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة المتهمين بأقسام الشرطة في دوائر الاختصاص وحجز المعروضات توطئةً لتقديمهم للمحاكمات.
يأتي هذا بعد ساعات من صدور القرار السيادي بتوجيه القوات الشرطية والعسكرية بحسم التفلتات الأمنية، والذى كانت نتيجته هذه التحركات والحملات الضخمة التي وجدت ارتياحاً كبيراً في أوساط الشارع السوداني والمواطن الذي كاد أن يفقد الثقة في كل من يرتدي الكاكي . لكن حملة الأمس كان لها صداها الكبير . وحتى تكتمل نتيجة هذه الحملة الكبيرة ، لابد… لابد من تقديم كل المتهمين لمحاكم عاجلة ورادعة، والعبرة بالمحكمة.. إذ أننا ولفترة طويلة نسمع بضبطيات من أسلحة ومخدرات ومهربات ، ولم نسمع يوماً واحداً بتقديم لمحاكمات، وتسديد البلاغات هو الهدف وهو النتيجة والحصيلة التي أساس اختفاء الجريمة ليتعظ من يتعظ . كما أنّ توقُّف هذه الحملات وعدم المواصلة فيها، يتيح الفرصة لمعتادي الإجرام لتجميع صفوفهم من جديد ، وتغيير خططهم مثلما تغير الشرطة في خططها.
ولحين معالجة العِلّة الكبيرة ، إزالة السكن العشوائي في الميادين العامة وأطراف المدن ، وإخلاء العمارات والمباني تحت التشييد من اللاجئين وترحيلهم لحدود السودان كما متبع في كل دول العالم…. لحين ذلك الوقت يجب أن تستمر الحملات دون هوادة… ويجب على المواطن أن يكون سند للشرطة بمدها بالمعلومات عن كل ما يعكر صفو الأمن، فالأمر لم يعدو أمر صبية و"متفلتين"… الأمر يُدار من أيدي خفيّة ، يتطلب من كل قواتنا النظامية اليقظة التامة كما فعلت أمس وأحسنت في فعلها.
التحية لكل قواتنا النظامية رغم محاولة البعض إضعاف روحها لمستوى الانهزامية…. وكأن لسان حالها يقول :
بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ
أهلي وإن ضنُّوا عليّ كرام