الجماهير الغفيرة التي ملأت ساحات مطار الخرطوم وشارع السيد علي الميرغني ببحري أمس، لو قال لها مولانا الميرغني حاصروا القصر الجمهوري واقعدوا حوله أربعين يوماً لفعلوا دون كلل وملل ودون حاجة لخرفان وموز.
دخلتُ مسجد السيد علي الميرغني قبيل المغرب، وجدته مكتظاً بالبشر من كل أرجاء السودان ، في ساحته الضخمة وداخل المصلى ، صلينا المغرب خلف إمام شاب ، التفتُ أسأل رجل خمسيني : انت من وين ؟
قال لي : من امبدة لكن أصلاً من الشمالية .. نحنا قاعدين هنا من الصباح !
هي جماهير حقيقية ومليونية جد جد ، وليست مستأجرة بألف جنيه للرأس لتخرج في موكب أو تعمل ترس.
هؤلاء يدفعون من حر أموالهم ليروا طلة مولانا الحسيب النسيب البهية المباركة، ويسمعوا منه ويطلبوا دعاءه.
إنها قاعدة شعبية خرصانية صلبة .. بشر بعدد الرمل والحصى .. بعقيدة راسخة في مولانا وأنجاله .. و ولاء لا يتزحزح لحزب الاستقلال المجيد الاتحادي الديمقراطي الأصل .. جماهير مد البصر .. لا يستطيع أي حزب أو تحالف في السودان أن يجمعها في مكان واحد في ساعة واحدة.
حضر مولانا لمكان الاحتفال وشق الجموع بتمهل ، سعيدٌ بشلالات الحب ومطر الوفاء رغم غيابه الطويل، فلم يبدّلوا ولم يحوّلوا، وجلس وحوله أبناؤه ، يميناً ابنه السيد عبدالله المحجوب ثم ابنه السيد أحمد، وعلى الجهة اليسرى ابنه السيد محمد ثم ابنه نائب رئيس الحزب السيد جعفر ..
تراتبية صارمة وأدب منقطع النظير يتقطر في كل حركة وكلمة قالها السيد جعفر الميرغني بهدوء وسكينة وروحانية لن تجدها إلاّ عند هؤلاء السادة الأشراف.
وتحلق حولهم هنا وهناك مساعدو رئيس الحزب الرجل الدينمو بابكر عبدالرحمن المحامي، والبروفيسور البخاري الجعلي والأمير أحمد سعد عمر ، والمراقب العام المحامي هشام الزين، وأصر مستشار رئيس الحزب الأستاذ حاتم السر أن يكون واقفاً بكامل حلته الباهية أمام مولانا.
الخليفة صلاح سرالختم خطيب الختمية الأول وفصيحهم كان على المنصة يقدم البرنامج ويحيي الجموع العاشقة، وفي معيته الخليفة نزار وكبار خلفاء الطريقة الختمية أتوا من كل حدب وصوب من أطراف السودان ، وكان وفد القضارف أول الوفود الواصلة والهادرة.
بعد ما رأينا ورأى الجميع مليونية أمس الباهرة ، فإنني أدعو إلى إطلاق أي مسمى آخر على أي موكب يخرج في الخرطوم لاحقاً.
ثم إنني أخلص لأسأل : كيف تأتى للفريق أول عبدالفتاح البرهان أن يفكر لحظةً في تجاوز هذا الحزب الكبير وزعيمه المسنود بالملايين، ليعقد صفقة خاسرة مع أحزاب مجهرية عضويتها بضع عشرات !!
إنها ستكون صفقة خاسرة بالتأكيد، ولن يقبل مولانا الميرغني أن يكون حزبه من (قوى الانتقال) بينما الأحزاب المجهرية هي صاحبة الحل والعقد والامتياز في اختيار رأس الدولة ورئيس الوزراء المقبل، وقد جرّب السودانيون خياراتهم السابقة الخاسرة والفاشلة التي دمرت الدولة و نشرت الفوضى وجوّعت الشعب.
بعودة مولانا تعود للبلد روحها الوطنية لتتحرر من قبضة السفير الأمريكي وأتباعه من السفراء، ومن يطلبون وده وينفذون أمره من النخبة السودانية الوضيعة.