ياله من قاتل مرعب فتك بالناس في حزام عريض وسط السودان .. هو قاتل يأكل اللحم البشري ، وينهش الأيدي والأرجل ويبترها ، ويأكل اللحم في عضلات الظهر والوجه والكتف ، واحيانا الرأس والمخ ، وكل ما يتمكن من الوصول إليه .
ورغم أنه يركز على الرجال أكثر لكن ليس للنساء والأطفال عنده حرمة ، يهاجمهم دون رحمة .
هل سمعت عن المايستوما ؟. نعم وراء هذا الإسم الموسيقى وحش حقيقي ، يأكل لحم البشر ، وينخر عظامهم ويقتلهم في النهاية بطريقة بشعة ..
تصدى له رجال ونساء شجعان دون مقومات .. لكنهم صنعوها .. وحفروا خندقا ضخما أسموه مركز أبحاث المايستوما يقودون منه معاركهم الشرسة ضد هذا المرض الفتاك اللعين ..
الأمم المتحدة صنفته ضمن الأمراض المهملة المسكوت عنها .. ( ربما لأنه لا يوجد في أوروبا ) .
ويعتبر السودان من أكثر دول العالم إصابة بهذا المرض ، حيث ينتشر بكثافة في مناطق النيل الأزرق والنيل الأبيض وحزام القضارف وسنار شرقها وغربها وشمال كردفان وشمال دارفور . وتمتد أصابعه خارج السودان شرقاوي وظل وغربا .
أسمه أكل اللحم البشري ويعرف في السودان بإسم النبت والمادورا . ليس له حتى الٱن علاج مؤكد رغم كثافة الأبحاث والتجارب العلمية التي تجري في هذا الخصوص .
وتسبب هذا المرض ميكروبات بكتيرية أو فطرية دقيقة ، حيث لا يشعر المصاب بالألم في بداياته ، ومن ثم قد لا يعرف أنه لحقته الإصابة .
وتبدأ دورة المرض في جسم الإنسان بدخول هذه البكتيريا أو الفطر إلى جسمه ، وقد تستمر فترة الكمون ثلاثة أشهر بدون ظهور أي علامات على الجلد أو شعور بالألم .
لكن تدريجيا يتطور إلى إلتهاب مزمن لكنه غير مؤلم ، وينتشر ليصيب الأجزاء الداخلية تحت الجلد في ثلاثة إتجاهات مختلفة ، ويمكن أن تصل إلى خلايا العظم ، بينما يكون الفطر أو البكتيريا تأكل اللحم البشري في موضع الإصابة .
كما ينتشر المرض عن طريق الدم والغدد اللمفاوية . وتكون أعراضه المرعبة المؤلمة هي ظهور أورام صغيرة غير مؤلمة تحت البشرة . بعدها يبدأ ظهور تقرحات على الجلد مع خروج صديد ذو رائحة ، مع خروج حبيبات سوداء أو حمراء داكنة اللون . تحدث بعد ذلك التهابات بكتيرية تنتج عنها تقرحات في البشرة ، وعندها يتزايد خروج الصديد ذي الرائحة ومواد أخرى من مكان التقرحات والجروح .
تطور هذا المرض الخبيث يسير ببطء وصمت على مدى أشهر أو سنوات . وفي حالة لم يتم تدارك مراحله الأولى يدمر العضلات المجاورة لمكان الإصابة ، ويدمر الأربطة والعظام وكل الأنسجة المحيطة بموضع الإصابة ، الأمر الذي يضطر الطبيب إلى بتر العضو المصاب سواء أكان اليد ، أم الرجل أم أي جزء من الجسم . وأحيانا تكون الإصابة في موضع لا يمكن بتره كالرأس فيكون المريض معذبا حتى يدركه امر الله إن لم تنجح الإجتهادات في إزالة المواضع المصابة .
ورغم أنه ليس هناك علاج ناجع مؤكد لهذا المرض القاتل ، إلا أن العلاج الحالى يساعد في تدارك الحالات المبكرة والٱثار الناشئة من الإصابة . لكن حتى هذا فهو علاج باهظ التكلفة في التشخيص والدواء كما أنه يستغرق زمنا طويلا قد يمتد إلى سنوات . هذا غير مصروفات الانتقال والإقامة والإعاشة ، مع مراعاة أن معظم من يصابون به من الفقراء .
المزعج أن طريقة الإصابة به سهلة جدا ويمكن أن يتعرض لها أي إنسان ، حيث لا توجد وسيلة ناجعة للوقاية التامة منه ، فالمرض موجود في بيئته وينتقل إلى جسم الإنسان عن طريق حدوث أي ثقب في الجسم أو جرح . وتعتبر طعنة الشوكة هي العامل الأول في دخول المرض . فأيا كان الموضع الذي طعنته الشوكة او حدث فيه جرح مهما كان صغيرا فإنه يتيح الفرصة لدخول بكتيريا أو فطر المايستوما . صحيح أن معركة ضارية تدور بين المرض من جهة ، وكتيبة مركز أبحاث المايستوما ووزارة الصحة من جهة أخرى .. لكن المعركة غير متكافئة حيث أن الأسلحة والمعينات المتاحة لديهم أقل كثيرا من مواجهة هذا القاتل الصامت .. وهذا يستدعي أن يتحول الأمر إلى قضية شعب بأكمله ، وأن ترفعه الدولة إلى درجة عالية في سلم أولوياتها .
رغم بشاعة الصورة والصور إلا أن الواجب أن لا ندفن الرؤوس في الرمال فهذا الذي تؤذينا مشاهدة صوره هو واقع حقيقي يعيشه بني وطننا وتتفاقم حدته . حتى أن تقديرات متواضعة لعدد المصابين به المسجلين فقط في مركز أبحاث المايستوما تجاوز كثيرا الثمانية ٱلاف وربما يكون الٱن قد تجاوز العشرة ٱلاف في الأماكن التي استطاع الباحثون الوصول إليها لأن هناك مناطق واسعة لم يصلها ذلك وربما يتجاوز الإصابات غير المبلغ عنها أضعاف أضعاف هذا العدد .
حدثت وقائع مدهشة بعضها لا يصدق على أصعدة البحث والعلاج ومكافحة الإصابة وبعضها يملأ العيون دموعا . لكنني أطلت عليك ولا أريد المزيد من التطويل لذلك نرجيء الحديث إلى الغد لأقول لك كل ذلك فقد كنت شاهد عيان على الكثير من الجهود والكثير من المعاناة .